ولست ترى كذلك الآن الدولة التي تحترم العهد والكلمة والشرف لان فقد (القيم) قد انتقل إلى المجال الدولي كذلك كنتيجة طبيعية للحياة الفردية الحالية. وهي حالة بالغة الخطورة إن لم يتداركها المربون والمفكرون بالسعي المتواصل لرد (القيم) إلى مكانها من القلوب والأشياء، وخلع القداسة على كل حرمات الحياة، وإحاطة النظم والقوانين والعقائد السامية بهالة من الاحترام والاعتبار؛ حتى تحد من الفجور الذي يصحب القدرة المالية الفائقة، وتكفكف من غلواء الغرور الذي تبعثه السيطرة على القوى. ذلك الغرور الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية توشك أن تتنكر لرسالتها الإنسانية، وتغفل عن تاريخ أبطالها العالميين حين اهتدت إلى سر القنبلة الذرية الذي جعل لها المقام الأول في التسلح والمقدرة على البطش. فهي الآن تسير في سياستها العالمية تحت تأثير غرورها بأنها حائزة أسرار ذلك الطارق العنيف الذي جعل اليابان تركع على قدميها اثر ضربتين اثنتين من ذلك الطارق.
فقيمة رسالتها الإنسانية قد أثر فيها زيادة مقدرتها المادية، وقوتها المحاربة، لأنها خطت خطوة واسعة في العلم لم يصحبها خطوة موازية في الروح التي تخلع القيم على الأشياء، وان رد القيمة الخلقية للأعمال والأشياء رسالة تحتاج إلى معجزات من الجهاد الموصول والإخلاص الإنساني والاستمداد من رب الحياة الذي جعل في الإنسانية مرونة تجعلها تدرك رشد أمرها وتكيف حياتها حسب مصلحتها، وتخرج من الأهوال وفيها بقايا حياة تسمح بتجديد شعلتها، وامتداد وجودها في كل الظروف والأحوال.
وأعظم أسلحة الجهاد في هذا السبيل هو التفاؤل والتأميل، وعدم اليأس من روح الله؛ مع اليقين الثابت بأنه ما خلقنا إلا للخير ولو بدا في ثياب الشر لدى أنظارنا القصيرة.