أتغيرت الدنيا يا ناس أم الناس قد فقدوا فرحة العيش حينما تركوا تلك الحياة السمحة القانعة الطاهرة المبرأة من أدران حضارة الغرب؟ تلفتوا أيها السادة حولكم، واسألوا من تلقون من الكهول عن ذلك الزمان. . . تجدوا في عيونهم عَبْرة، وفي قلوبهم حسرة، وعلى ألسنتهم جوابا واحدا: رحم الله تلك الأيام لقد كانت أيام انشراح. . .
كانوا لا يعرفون دسائس السياسة، ولا التزاحم على الرياسة، ولا شبه العلم، ولا رذائل الحضارة، لا يختلفون على مذهب اجتماعي ولا يقتتلون لمصلحة حزب سياسي، ولا يقرعون أبواب الوظائف، إن تعلموا العلم تعلموه لله لا للشهادات، وان طلبوا المال طلبوه من التجارة لا من المضاربات والاحتكار والرشوات، وإن ارادوا تسلية ولهوا، قصدوا الربوة أو الميزان أو الشاذروان، ينصبون سماورات الشاي، وسماط الآكل، وبساط الصلاة، لا يعرفون سينما ولا ملهى ولا ماخورا ولا (نادي دمشق)، المساجد ممتلئة بهم، ومدارس العلم حافلة بأبنائهم، والعلماء هم الأمراء؛ طلبوا الآخرة لا الدنيا فأعطاهم الله الدنيا والآخرة، والبيوت جنان الأرض، والنساء حور تلك الجنان لا يعرفن التبرج ولا التكشف ولا يراهن أحد في الطريق؛ إلا خارجات لضرورة لابد منها، ومعهن الزوج أو الأب، يسبقهن وهن يتبعنه، لا يعرفن بيوت الفجور، ولا أماكن العصيان، ولا (دوحة الأدب)، ولا يخطر على بالهن إن الدنيا ستبلغ من الفساد أن سيكون فيها (فرق مرشدات). . .
كذلك كانوا فكانت أيامهم كلها أعيادا؛ فأين أعيادنا نحن؟ أربحنا من هذه المدنية. . . وهذا العلم. . . أم خسرنا؟ سلوا هذه الحرب عما صنعته علومهم بسعادة البشر، وسلوا التاريخ عما صنعت بها علومنا وشريعتنا؟
يا سادة:
إننا صرنا اليوم نلبس (البذلة) بدل (القنباز)، وننام على السرير، ونأكل بالشوكة والسكين، ونقرأ أخبار أمريكا واوربا، ونتكلم في الجغرافية والكيمياء وفي السياسة، ونركب السيارة والطيارة، ونسمع الرادّ ونبصر أفلام السينما، هذا الذي ربحناه ولكنا خسرنا التقى والعفاف والاطمئنان، لقد كان أجدادنا ابعد عن حضارة اوربا، ولكنهم كانوا أرضى لله منا، واقرب إليه، وكانوا أقوم أخلاقا، واطهر قلوبا، وأصفى سرائر، واصدق معاملة وكانوا أسعد منا في الحياة. . .