باريس. ومما لا مريه فيه أن قادة الفكر الأوربي الذين قاموا بحركة الثورة الفكرية العظيمة قد تأثروا بهذه الكتب تأثرا عظيما، واستفادوا منها مادة جزلة، وتدل التحقيقات الهامة أن روجر بيكون قد تثقف بالثقافة الأندلسية الإسلامية، ودرس فلسفة ابن رشد واعتمد ابن الهيثم في تأليف كتابه (البصريات).
وسنحاول في الفقرات التالية إن نبين مواطن الابتكار في الثقافة الإسلامية في كل مبحث من بحوث العلم. فذلك اقرب إلى الإقناع، وأوضح حجة في دفع مفتريات الخصوم.
في علم الرياضيات والفلك:
لقد أدى العرب إلى العلوم الرياضية خدمات جلى ليس من ينكرها إلا أن يكون مجانفا للحق. فهم الذين وضعوا أساس حساب المثلثات، ولولا العرب لبقى علم الجبر مجهولا في العالم الأوربي؛ إذ وضعوا مبادئه وأقاموا أساسه، وما تزال بحوثهم فيه حتى اليوم هي القاعدة الأساسية التي قام عليها، وما زال الأوربيون حتى ألان يعتمدون تأليف الخوارزمي الجليلة في العلوم الرياضية إلى حد كبير، ولقد عدل العرب كثيرا من كتب اليونان الهندسية والحسابية؛ ولم يكتفوا في ترجمتها بمجرد النقل الحرفي، بل انهم علقوا عليها شروحا إضافية قيمة، وما زال (الصفر) و (الكسور العشرية) و (نظرية الأسس) تحمل طابع العبقرية الإسلامية، وتشهد بطول باعهم في الابتكار والإبداع، ومهما يفاخر الغربيون بعلمائهم؛ فلن يجدوا فيهم من يدانى الكندي بغزارة علمه وكثرة بحوثه. فقد ألف هذا العالم الجليل ما يناهز المائتين والثلاثين (٢٣٠) كتابا في مختلف البحوث الرياضية، والطبيعية، والهندسية. يقول سيديليو:(إن مؤلفات الكندي تصطبغ بطابع العبقرية العجيبة)، وقد عده (كاردانو الإيطالي) من اشهر عباقرة العالم المشهورين.
ولقد جمع العرب بين مختلف العلوم الرياضية، واحسنوا تبويبها تبويبا علميا صحيحا، وطبقوا الهندسة على المنطق، واعترف بفضلهم على الجبر العالم المشهور (كاجوري) فقال: (إن العقل ليحار حيال مآثر العرب في الجبر. . . وان حل المعادلات التكعيبية بواسطة قطع المخروط لمن اعظم الأعمال التي قام بها العرب. . .).
ويعد ابن البناء المراكشي في الطراز الأول من مفكري العالم الرياضيين. فقد ألف أكثر من ثمانين كتابا في الرياضيات وعلم الهيئة، وقد شهد بفضله معظم علماء أوروبا وخاصة