للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والحركة؟ العلم عند الله، فهذا شيء يدق عن إفهام أمثالنا من عباد الله المساكين، ويعلو عن مداركم. . .

وجعل يقرأ أشياء من هذا الباب، وأنا لا أكاد أفهم منها إلا مفردات الألفاظ، أما الجمل وما يراد من إيرادها، فكان يخفى عنى، حتى وصل إلى قوله:

(. . . وفي أزهارشرْ (بودلير) و (لاأخلاقية) أندره جيد، وإباحية فيكتور مرغريت الأدب الحر والفن الثائر).

فقلت له: وصلنا. هذا هو المقصد! إنه ينقم من الأدب العربي خلوّه من هذه (ألا أخلاقية) وهذه (الإباحية) مع أنه لم يخل منها، ولكن هذا الجاهل لم يسمع كما يبدو باسم بشار وأبي نواس، وأبو نواس هو أمام أندره جيد في (مذهبه. . .).

هذا هو مقصد هؤلاء الذين سماهم الأستاذ سيد قطب أولاداً لا أعراض لهم، كما جاء في إحدى مقالاته العظيمة التي جعل عنوانهم (من لغو الصيف) وهي والله الجدّ كل الجد، ليست باللغو ولا باللهو، وهي من خير ما جرت به الأقلام في هذا العصر. هذا هو مقصدهم: الإباحية!

إنه لا يغيظهم شيء ما يغيظهم أن يكون في الكتاب من يدعو إلى الأخلاق ومن يحارب الإباحية. . .

إننا نحاربها يا أولاد، لأن لنا أعراضا، وأن لنا بنات وأخوات، أما أنتم فلا بنات لكم ولاأخوات، ولو كنَّ لكم لما باليّم والله بأعراض بناتكم وأخواتكم، ولكشفتموهنّ على البلاج ولجعلتموهن (مرشدات). إنكم تؤثرون لذة الإباحية والانطلاق على شرف العفاف والحرمان، ثم إنكم جاهلون تقولون ما لا تفهمون، وتهرفون بما لا تعرفون، أفسدتم بكتاباتكم هذه ملكة البيان في نفوس النشء، وأفسدتم خلق العفاف في قلوبهم، وأفسدتم ميزان المنطق في رؤوسهم، وتلقون مع ذلك مجلات تنشر لكم ما تكتبون. . .

إني أعود مرة ثانية فأقول: إن المصيبة ليست بهذا الدعي الجاهل ذنب فرنسا صاحب هذا الهذيان ولا بأمثاله، ولكن المصيبة في (حرية الكتابة) فمتى يصحو رجال الحكومات، ويتنبه العقلاء، فيكفوا هؤلاء الأولاد الذين لا أعراض لهم، عنا وعن أعراضنا؟

متى؟ متى؟ أبعد خراب البصرة؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>