للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأشار إلى فقرة قرأت فيها ما نصه بحروفه:

(أيها السادة! الممعن في الأدب العربي من إنتاج العصور وجماع الفنون يلمح خطاً واحداً تنتظم فيه كل الألوان والأغراض هو خط السكون، والممعن في الأدب الفرنسي يلمح خطاً واحداً يناقض ما تقدمه هو خط الحركة).

قلت له:

لقد قرأت، فقل لي ماذا تريد من رجل جاهل بالأدب العربي وبالأدب الفرنسي، ويريد مع ذلك أن يتعالم وأن يتشبه بالباحثين؟ أيمكن أن يفتح عليه إلا بهذا الهذَر الذي لا معنى له أبداً إلا (الدعاية) المضحكة لفرنسة التي قطع رأسها في بلادنا، وبقيت أذنابها تتحرك كما يتحرك ذّنب (سام أبرص) بعد دعسه بالحذاء؟. . . وهذه ثمرة (حرية الكتابة)، فمادام كل دعيّ في الأدب أحمق يستطيع أن يكتب ما توحيه إليه حماقته، ومادام كل رجل معه ثمن الورق وأجرة المطبعة يستطيع أن ينشئ صحيفة أو مجلة تنشر كتابات الأدعياء والحمقى، فارتقب العجب العجاب، من هذا (الأدب. . .) الجديد، وهذه (المجلات. . .) المحدثة التي لا آسف على شيء إلا على أنها لم تلحق الأديب الكبير أبا العبر الذي كان يقف على جسر بغداد فيكتب كل ما يسمع من كلام المجتازين في صحيفة معه، ثم يشقها ويخالف بين أجرائها ويقرأ ما تحصل معه، فيأتي بالأعاجيب، إذن لكانت تنشر له، وتقدمه وتفضله على سائر الكتاب، لأن مقياس الجودة عند أصحاب هذه المجلات الجدّة والمخالفة، وآثار ابن العبر هذا جديدة لم يسبق إليها، مخالفة لكلام العقلاء جميعاً.

قال: أرجو أن تتم المحاضرة.

قلت: أعوذ بالله، ماذا عملت معك حتى تعاقبني بقراءتها؟

قال: لابد.

وأخذ يتلو عليّ تتمة هذا الهذر:

(السكون والحركة هذا هو كل ما استطعت الحصول عليه من وراء دراستي للأدب العربي والأدب الفرنسي).

قلت: يظهر أن هذا الرجل قد أطال الدراسة للأدبين، وسهر فيها الليالي مادام (كل) ما استطاع الحصول عليه (من وراء. . .) هذه الدراسة، هو السكون والحركة، وما السكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>