الذي رأيناه عندنا إلى الآن: أفكار مهوّشة مضطربة في رؤوس أحب أصحابها التعبير عن أفكارهم بالشعر، ولم يؤتوا ملكته، ولا أعدّوا له عدته، ولم يعطهم الله (شعور) الشاعر، ولطف حسّه، وصفاء نفسه، فاستعاضوا عن ذلك كله بالانتماء إلى المذهب الرمزي. . . ولا يكلف ذلك من يريده إلا أن يكتب في رأس قصيدته. . . أو مصيبته التي يحب أن ينزلها بالقراء، كلمة (من الشعر الرمزي) وأن يلقى صحفياً أحمق ينشرها له. . .
وكل الذي قرأناه إلى الآن من هذا الشعر. . . الرمزي، قطع هي أبعد عن الموسيقى من بُعد الأرض عن السحاب، وبُعد أصحابها عن الشعر، وهي تنزل بقارئها إلى أحظ دركات الاشمئزاز و (القرف. . .) بدلا من أن ترفعه إلى السماء التي ينظر إليها (فيرلين) عميد الرمزيين الأصليين لا القردة المقَّلدين. . .
لا. لا هذه ولا تلك، فالرمزية الحقيقية حلم جميل ولكنه منافٍ لطبائع الأشياء فلا يتحقق أبداً، ورمزية أصحابنا. . .
(تهريج) ثقيل، وتقليد بشع، وعدوان على الفن، فلا تدخل حرم الشعر أبداً. . .
إنها رطانة بحروف عربية، و (شعر. . .) ولكن لا شعور فيه ولا موسيقى ولا حياة.
عوَدة إلى (حرية الكتابة):
دفع إليّ أمس صديقي الأستاذ مظهر العظمة عدداٍ ً من مجلة الثقافة فقال:
- أنظر ما في هذا العدد.
فنظرت فإذا أناألقى أسماء جديدة لم أسمع بها قط قبل اليوم، فلا أحمد أمين، ولا فريد أبو حديد، ولا أحمد زكي؛ ولكن صدقي إسماعيل (؟)، وخالد حمد (؟)، وعمر كركوتلي (؟) فأنعمت النظر فإذا هي (ثقافة) أخرى، غير (الثقافة) المصرية المعروفة، تصدر في (دير الزور) من أعمال الشام، وإذا أصحابها قد سرقوا أسم مجلة الثقافة وحجمها وشكل غلافها وترتيبها حتى ليظن القارئ أنها هي، مع أنها منها كخريطة مصر بالنسبة إلى مصر. . .
فرددتها إليه، وقلت له:
- ألم تسمع أن المكتوب يقرأ من عنوانه، فدعني بالله منها لا أريد أن تَغْشي نفسي.