للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للتقاليد والطقوس أكثر من كونها صادرة من الضمير، فالنقوش التي دونها الأمراء على جدران مقابرهم، وتباهوا فيها بأعمالهم في حياتهم قلما تشير أو قد لا تشير بالمرة إلى أداء العمل الطيب لذاته أو لأن الآلهة تحض عليه. كذلك تعطينا أوراق البردي التعليمية الفكرة نفسها فحيثما تحث على اتباع الأمانة تحض عليها لمجرد أنها (تفيد) صاحبها.

وفي الوقت نفسه يمكننا أن نتتبع في الدولة الوسطى بداية ظهور مقياس خلقي واعتقاد الحساب في الآخرة، وهذا راجع إلى حد ما إلى انتشار عقيدة أوزيريس الذي اعتقد فيه أهل الدولة الوسطى أنه يسكن أبيدوس كإله الموتى، فنرى في النقوش الواردة على توابيت هذه الفترة أول إشارات إلى هذا الإله بأنه القاضي الذي يعرف الحق من الباطل، وهذه فكرة لم تبلغ تطورها التام إلا في عهد الدولة الحديثة فقط؛ فلم تكن هناك في الدولة الوسطى قائمة الآثام المعروفة التي كان يتبرأ منها الميت أمام محكمة أوزيريس بالاعتراف السلبي.

ولكن ما مقدار هذا الخوف من حساب الآخرة؟ أليس من المرجع أن القوم في الدولة الوسطى اعتقدوا كما اعتقد خلفهم في الدولة الحديثة بصحة التعاويذ السحرية التي كانت تدفن مع الميت سواء أكانت في شكل نقوش على تابوته أم كانت لفة من ورق البردي، واعتبروها حامية كافية له ضد عواقب حياة أثيمة؟ وإذا فرضنا أن نشأة الاعتقاد في الحساب في الآخرة تدل على نهوض وازع خلقي ألا يظهر كأن السحر سرعان ما قدم مسكنا دفع ذلك الرادع الثائر إلى النوم مرة أخرى؟

الواقع أن هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها نظراً لقلة الأدلة التي لدينا فمن الصعب أن نقرر شيئاً حاسماً في هذه المسألة في حالة أمة تعيش الآن ناهيك بشعب مضى فإن هذا عادة يكاد يكون من المستحيل.

العناية بنظام الري:

وإذا انتقلنا من هذه الناحية الخلقية من الحياة المصرية إلى الناحية المادية واجهتنا مسألة أسهل. فهنا مع أن أحوال المعيشة العامة لم تتغير في بعض نواحيها عما كانت عليه أيام الدولة القديمة إلا أنه من الممكن أن نذكر تقدماً جد عليها، ويرجع هذا التقدم إلى أمرين أولهما: نمو التجارة الخارجية، وثانيهما: تحول الفراعنة عن تسخير الرعيّة في أعمال لا فائدة منها أي في بناء الأهرام، إلى العمل النافع الذي يعود على البلاد بالخير وهو تحسين

<<  <  ج:
ص:  >  >>