للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شارل، واقترح بعض المستقلين وضع نظام جديد لكنيسة لا يقبل فيها رجل من رجال الدين إلا إذا أقر خمسة عشر مبدءاً أساسياً وضعها هؤلاء، وإذ ذاك لم يرض ملتن عن هذه القيود، واهتاجه الحنين إلى الدفاع عن الحرية، وتخالجه السخط على هؤلاء الذين يريدون شراً بالحرية الدينية في عهد الحرية السياسية، فنظم مقطوعة يناشد ملتن أن يتجه من شؤون الحرب إلى شؤون السلم ليدافع عن الحرية الدينية في مهارة وجدارة، كما دافع عن الحرية السياسية!

وكأنما كان بين ملتن وبين القدر ثأر، فلم يكد يفيق مما غشيه ويذهب عنه روعه، حتى روع بموت وحيده الطفل فأرمض جوانحه الحزن، وكان لا يذكر ولده أو يقع في سمعه إشارة إليه من قريب أو من بعيد إلا تبادر دمعه فامتلأت به عيناه الكفيفتان فما استطاع - وهو القوي الجلد - أن يحبسه! وضربه الدهر ضربة أخرى ولما يرقأ دمعه، إذ ماتت زوجته بعد ابنها بشهر وبعض شهر في يونيو سنة ١٦٥٢، وقد وضعت له أنثى فتركتها في سرير الوضع ووسدت التراب وهي بعد في السادسة والعشرين وقد مضى على زواجها بملتن تسع سنوات، وعاشت معه نحو سبع سنوات بعد أن صلحت ذات بينهما

وهكذا تتوالى عليه المحن وتتنوع صروف الدهر فتمحصه وتثبت فؤاده، ويجمع في حياته بين وجهي الشجاعة، فله إلى جانب إقدامه وحميته عظم صبره وصرامة عزيمته!

وحق له أن يستريح من السياسة ومتاعبها، وأن يطلب العزاء في قيثارة وله في هوميروس من قبله أسوة، وما يكون له بعد ما حاق به عزاء إلا الشعر، لعله يقضي منه مأرب صباه ومنزع هواه بعد أن شغلته عنه الحوادث سنوات طويلة

ولكن البطل الضرير لم يكد ينزع إلى الراحة ويستثني نسائم الشعر، حتى انبعثت صيحة جديدة من نفس المكان الذي انبعثت منه الصيحة الأولى، فنشر في هيج كتاب جديد باللاتينية سماه صاحبه (استصراخ دم الملك السماء على الخائنين من الإنجليز) وأخذ مؤلفه يسخط على كرمول وجنوده في عبارات شديدة تجد مثالا لها في قوله: (إن جريمة اليهود بصلب المسيح ليست شيئاً مذكوراً إذا قيست بإعدام شارل الأول)؛ ثم راح يمتدح سلامسيس ويطنب في مدحه ويغلو في ذلك غلواً كثيراً؛ وبقدر ما أسبغ على سلامسيس من مدح كانت سهامه التي قذفت بها ملتن، فهو عنده دودة تدب من كومة قمامة، وهو أحط من

<<  <  ج:
ص:  >  >>