للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يجرى بأمره الألوف في البر والبحر دائبين، وكذلك يخدمه من هم واقفون لأمره منتظرون). . . وقال ملتن في المقطوعة الأخرى يخاطب صديقه سيريك سكنر: (أي سيريك، منذ ثلاث سنوات وهاتان العينان وهما من النور سليبتان، ولو أنهما سليمتان في مظهرهما الخارجي من العيب ومن الغشاوة قد نسيتا إبصارهما، ولا يقع في مقلتيهما المكفوفتين منظر لشمس ولا لقمر ولا لنجم خلال العام ولا لرجل ولا لامرأة، ومع ذلك فلست أشكو يد الله ولا مشيئته، لا ولا ينقضي شيء من حماسة القلب ومن الأمل، بل أحتمل وأمضي قدماً، ولعلك تسأل: ماذا يعينني؟ إلا إنه شعوري أيها الصديق بأني فقدتهما مرهقاً بالعمل في سبيل الدفاع عن الحرية، ذلك العمل النبيل، عملي الذي ترن به أوربا من جانب إلى جانب؛ وإن هذا الخاطر لخليق أن يقودني في متاهة هذه الدنيا، فأسير به رضيَّ النفس، ولو أنني أعمى ولم يتح لي غيره رائداً أسمى)

واختير له في أبريل سنة ١٦٥٢ مساعد يصرف شؤون وظيفته بأمره، ويقرأ له ما يقتضيه عمله من قراءة، ويكتب ما يميله عليه مما يستدعي العمل أن يدون؛ وأقبل ملتن على عمله كأن لم يعقه عنه عائق، يشعر من يدانيه أنه رخي البال مطمئن الخاطر، لا يفتر اهتمامه بالسياسة، ولا يتخاذل عزمه أو تتطامن كبرياؤه. . .

وفي مايو استطاع ملتن ولم يمض شهر على مصيبته أن ينظم مقطوعة وجهها إلى كرمول عنوانها (إلى اللورد جنرال كرمول) ولم يك كرمول يومئذ قد سمي حامي الجمهورية بعد، وإنما كان بسبيل أن يحمل هذا اللقب، إذ كان ينظر إليه كأعظم رجل في الدولة، وألزم شخصية لسلامتها إذ ذاك، وقد نجاها بعد هزيمة الملك مما كان يتحيفها من مهالك، فأعاد النظام إلى أيرلندة سنة ١٦٤٩، وهزم الملكين في إسكتلندة سنة ١٦٥٠ والتي تليها وأجبر شارل الثاني على الفرار إلى فرنسا؛ وبذلك قبض على أزمة الحكم في المملكة جميعاً، ولم يبق يستدعي حكمته وهمته إلا ما يتصل بالناحية الدينية، فقد كثرت الفرق والطوائف التي يخشى من اختلافها بعضها مع بعض، فهناك قساوسة شارل الأول، وهناك البرسبتيرينز ثم المستعلون؛ وتركت بعض الكنائس بغير رعاة من هؤلاء ولا من هؤلاء؛ ودعا فريق إلى أشراف الدولة على الكنيسة بحيث يتمشى النظام السياسي الجديد مع نظام ديني يشاكله، ورغب فريق آخر إلى القضاء على الكنيسة الإنجليكانية، أي كنيسة الدولة الباقية من عهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>