اختفى كلية في هذا اليوم. . . بل ليتني أبلغ قناة السويس، فإني أرتقب أن أحظى بوقت ممتع).
قال: (نعم أنا أعرف هذا الشعور، فإنه يداخلني أنا أيضاً بعض الشيء. وما دمت أنت كاتباً، فسأقص عليك قصة عنه ولكن أرجو ألا تكون ممن يؤمنون بالطيرة والفال
ربما لا تستحق هذه القصة أن تسمى قصة في واقع الأمر. هي شاهد أكثر منها قصة، أو هي برهان على إحدى النظريات. . . هذه النظرية، أو المغزى، هي تلك النظرية القديمة البديهية التي شغف أحد الروائيين المحدثين بترددها، وهي أن ما تشعر به يكون أشد صدقاً، ولا بد أن يكون دائماً أشد صدقاً، من مجرد الفكرة التي تدور بخلدك. أو بعبارة أخرى، اعتمد في حكمك على اللمس، لا على البصر. ولكن الناس في هذه الأيام تعوزهم الشجاعة التي تجعلهم يعملون كما يشعرون، فهم يعملون طبقاً للعقل، ثم يحاولون أن يخترعوا تفسيراً منطقياً فيما بعد، يفسرون به الأشياء الفذة التي تحدث لهم. لكن لا جدوى من وراء هذا مطلقاً
كانت السفينة مبحرة إلى أمريكا الجنوبية. غادرت تلبري في عصر يوم ممطر من أيام ديسمبر، ولكن في اليوم التالي كان البحر هادئاً كأنه بركة زرقاء في فصل الصيف. واستمر كذلك ثلاثة أيام، حتى عندما عبرنا خليج بسكاي. ولكن برغم هدوء البحر تأخرنا عن الوصول إلى لشبونة، حتى إذا وصلنا إليها اخذ موظفو الميناء يتجادلون جدالا لا ينتهي، كأنهم عقدوا العزم أن نتأخر عن الإقلاع من الميناء. وقفت أرقب المسافرين النازلين وأستمع إلى المشاجرة البرتغالية الصاخبة تعلو وتتناثر كأنها صواريخ مبتلة، بين وكيل السفينة وأحد موظفي الجمرك. . . لم يكن بين المسافرين الجدد من يلفت النظر إلا امرأة إنكليزية وزوجها. كانت جميلة حقاً، ولكن جمالها كان من نوع عجيب، كأنها إلهة القدر الإغريقية. كانت عيناها واسعتين ذواتي زرقة عميقة، يمكن أن تقرأ فيهما معاني كثيرة، أحدها صادق وكثير منها كاذبة. كانت قسماتها المذعورة الحجرية كأنها تمثال كلاسيكي، يكمن فيه شيء من المأساة. ثم إني ظننت أو الأحرى أن أقول أحسست أن بقسماتها شيئاً من حورية البحر. إذ انتمت عيناها إلى البحر. . . كان زوجها إلى جانبها يبدو عادي المظهر. لكن منظرها الفذ كان مقتصراً على محياها، أما ملابسها فكأنها