الأقمشة المطرزة والزهور والنعال والصناديق المصنوعة من خشب النخل، ونماذج العربات التي تجرها الثيران، وملابس سكان الجزيرة - فأنهما لوحا لي بأيديهما - إذ غادرت السفينة في زورق إلى البر. ولاحظت مرة أخرى خلو وجهها من التعبير خلواً عجيباً، وذلك شيء إن أنعمت النظر فيه تجلى لك رعب أشد من الرعب. ثم ظننت أنها نظرت إلى البر نظرة المتلهف المشتاق، ولكني كنت أبعد من أن أرى بوضوح. . . مهما يكن من الأمر فأنهما الآن سالمان، فإن بقية الرحلة، خصوصاً في هذا الوقت من السنة، هادئة في المنطقة الحارة، تتجلى فيها الحدائق العميقة الزرقاء المتألقة تحت المياه، وتقفز الأسماك الطائرة فوقهما كما تثب العصافير فوق أرض البستان.
مضى أسبوعان، قبل أن أقرأ في صحيفة هذا الخبر:(إعصار في المحيط الأطلنطي الجنوبي. أمواج المد تطغي على المدن الساحلية. باخرة بريطانية تغرق على مقربة من (ريك). غرق جميع المسافرين). وفي الحال تذكرت المسز روفني. . . إذن قد انتهى الأمر الآن. . . إنها كانت تنتمي إلى البحر بكيفية ما. . . ولا بد أن يستردها البحر إلى أحضانه. لقد كانت تعرف ذلك دائماً، وإن لم يستطع عقلها تصديق ذلك أحياناً. مهما يكن من شيء، فقد انتهى الأمر، كائناً ما كان مغزاه. انتهى طراد طويل، لا يستطيع المرء أن يتعرف على بدايته، أو لعله ليس إلا الفصل الأوسط في درامة تستغرق عدة قرون، أو عدة أحقاب. . . ساءلت نفسي: ترى كيف كانت هيئة ذلك الوجه الجميل في النهاية، وإلى أي حد جعلت صوتها هادئاً عملياً وهي تحدث زوجها للمرة الأخيرة، عارفة ما يخبئ لها القدر. . . ولكن الواقع كثيراً ما يختلف عن النبوءة، وهذا ما حدث في هذه الآونة. . . فأنني عاودت قراءة الصحيفة، فقرأت في أخبار آخر ساعة:(إنقاذ أحد المسافرين. اتفاق غريب. . . المسز روفني التيأنقذت عصر أمس في حالة إنهاك، يتحقق أنها أحد الذين نجوا من التيتانيك، حين غرق أخوها التوأم مع تلك السفينة. ويخشى أن المستر روفني، المشهور في عالم الرياضة، وجميع المسافرين الآخرين والبحارة، قد غرقوا). . . إذن فالبحر لم يستردها بعد، والثعلب قد نجى مرة أخرى، يا للمسكينة! لم يتم الفصل الأخير بعد.
لعلك تعتقد أنني من المؤمنين بالخرافات إذ أشعر بما أشعر الأن؟ ولكن الحياة تبدو أقرب إلى الفهم حين يؤمن المرء بالخرافات. . . على أية حال، قد حدث ذلك منذ ثلاث عشرة