قامت بها كانت في (التيتانيك) وقد غرق أخوها التوأم مع تلك السفينة، ولم تنج هي إلا بمعجزة. . . ولسنين عديدة رفضت أن تركب على سطح سفينة على الإطلاق، بل إنها أبت أن تقوم برحلة القناة الإنكليزية التي لا تستغرق إلا ساعة واحدة، مع إنها قبل ذلك كانت مغرمة بباريس. . . وسأذكر لك شيئاً غريباً: قد يكون البحر هادئاً بالغ الهدوء، ولكن ما تكاد تضع قدمها على سطح السفينة حتى تبدأ الزوبعة، بداية لا شك فيها. لقد شاهدت ذلك يحدث في القناة الإنكليزية عشرات المرات، حتى إنني كثيراً ما تمنيت إني لم أحملها على تغيير عزمها والمجيء معي، حتى لتلك المسافة القصيرة. . . ما كان ينبغي أبداً أن أسمح لها بالمجيء في هذه الرحلة. . . كان ينبغي أن أحظر ذلك حظراً باتاً، من البداية. . . ولكنها كانت قلقة البال علي - فقد كنت مريضاً زمناً طويلاً، وأولئك الأطباء الملاعين قالوا أن رحلة بحرية طويلة هي الشيء الوحيد الذي يرد إليّ العافية - فألحت هي وأصرت. ولم أستطع منعها، فقد بدا كما لو كان من المحتم أن تجيء، وإن ارتاعت هي من ذلك، لو كنت تفهم ما أعني. . .)
وإذن فهذا هو السر! لا غرابة إذن أن تكون مرتاعة، حتى على أشد المياه ضحولة. تذكرت تلك السفينة الفاخرة في رحلتها البكر، وتذكرت اليدين اللاعبتين، والاصطدام المفاجئ الرهيب، والسكون الشامل، حين وصلتها رياح التدمير، ثم تذكرت الاضطراب والفوضى في الماء، والتلاقي الغريب الصامت في الدروب العميقة الخضراء بين الأمواج، حين ترنح القادرون على السباحة إلى أعلى وإلى أسفل، أو اصطدموا الواحد بالآخر كأنهم سدادات الفلين، ولكن لم يستطيعوا تخاطباً، إذ كانت أصواته قد ضاعت تحت صوت المحيط، فبدوا وكأن بعضهم لبعض عدو. . . إذن فهذا هو السر. . .! هذا هو معنى تينك العينين الواسعتين، كعيني تمثال في ضياء الشمس الباهر، ذلك هو المعنى المختفي تحت كلماتها العارضة، السخيفة الجادة معاً:(لن يستطيع ثعلب أن ينجو إلى الأبد، وإذا كانت كلاب الصيد تطارده). كلا، ولا الإنسان يستطيع النجاة، إذا كانت قطعان الشر والهلاك تصاحب مجيئه وذهابه.
في عصر ذلك اليوم وصلنا إلى ماديرا. فودعت المستر روفني وزوجته. وعلى رغم أنهما كانا مشغولين مع أهل الجزيرة الذين هاجموها يريدون أن يبيعوا لهما ما يحملون من