ولم يخطئ القوم في استخدام هذه المصطلحات، أنها تلزمهم جميعاً في مواضعها وتفيدهم في تفسير أطوار المادة وأطوار المجتمع الاقتصادية على اختلافها وتعاقب مظاهرها وصفحاتها
ولكنهم إذا استغنوا عن بعض هذه المصطلحات فهم أحوج ما يكونون إلى مصطلحين منها، وهما النقائض والأضداد
فلا يخفى أن مذهب القوم يدور على الحتم واللزوم، وقد سماه بعضهم بالحتمية المادية لأنه لا يسمح بفكرة المشيئة الإلهية التي تقضي بالإرادة والاختيار في تدبير هذا العالم
فالحالة المادية تخرج نقيضها على سبيل الحتم واللزوم لا على سبيل المشيئة والتدبير، ولهذا وجب عندهم أن تخرج نقيضاً واحداً لا اختيار فيه، ولو كانت تخرج شيئاً في طبيعية الأضداد المتعددة لاقتضى ذلك مشيئة تميز بين الأضداد وترجح بعضها على بعض في التطور من حال إلى حال. ولا يخفى أن الشيء قد تكون له أضداد كثيرة غير أضداد التقابل ولا يكون له غير نقيض واحد ليس يقبل التعدد والتكرار
فذكر النقيض في مذهبهم لازم على قدر ما في هذا المذهب من الحتم واللزوم
أما الأضداد فلزومها عندهم أن الحالة اللاحقة تنقض الحالة السابقة، ولكن السابقة لا تنقض اللاحقة ولا تبطلها ولا تنفيها. فهي مضادة لها وليست ناقضة لها أو واقفة عندها موقف النقيض من النقيض
ومثال ذلك في مذهب القوم أن طور الصناعات البخارية ينقض طور الصناعات اليدوية لأنها تأتي بعدها. ولكن الصناعات اليدوية لا تنقض الصناعات البخارية التي تعقبها، وكذلك عصر المدن التجارية ينقض عصر الإقطاع، ولكن عصر الإقطاع لا ينقض عصر المدن التجارية، وقس على ذلك جميع الأدوار في ترتيب التطور الاقتصادي، أو ترتيب التطور في مادة الكون على التعميم.
فإذا تعددت هذه الحالات، فالأصح أن تسمى كلها أضداداً بعضها لبعض، لأن هذه الصفة تصدق عليها جميعاً بلا استثناء، ولكنك لا تسمي السابق منها ناقضاً لما يأتي بعده ولا مناقضاً له إلا في عالم العقل دون عالم الواقع الذي يفسره الماديون الثنائيون.
وبعد، فهذه همسة في الآذان المفتحة، وعركة في الآذان المغلقة، وقد يفتح العرك ما استغلق