ويدعى أنه لا يحصل منه على طائل ثم يمثل في ذلك بالقابض على الماء والراقم فيه، وليس بعجيب أن يخيب سعي الإنسان حتى يستشهد على إمكانه، وتقام البينة على صدق المدعي لوجدانه).
ولنخرج قليلاً عن مناقشة الآراء العلمية لنتحدث في شيء من البساطة عن دقة الشيخ في تعبيراته، والمعلوم لكل من يدرس كتب المتقدمين أنهم يدققون كل التدقيق في وضع الألفاظ، وهم في ذلك أشبه برجال القانون لا يدعون لفظة تؤدي غير معناها ولا فوق معناها، ولعلهم أفادوا كثيراً في هذه الناحية من دراسة المنطق، ولذلك نجد الشرائح وأصحاب الحواشي من المتأخرين عنوا عناية خاصة بنقد التعابير والألفاظ. والحق أن العلوم المقعدة في حاجة إلى هذه الدقة حتى تكون التصاريف والمصطلحات وافية بالغرض. عرض لي كل ذلك حين ابتدأت أقرأ مذكرات الأستاذ في علم البيان فما كدت أنتهي من السطرين الأولين حتى وجدت أغلاطاً أربعاً، وليست هي أغلاطاً لغوية ولا أغلاطاً نحوية حتى يمكن التسامح فيها، ولكنها أغلاط علمية لو فهمها الطلاب على ما هي عليه لفهموا حقائقها مغلوطة محرفة قال:
(هم يقولون إن بعض التعابير أوضح من بعض. فعلم البيان هو الذي يبين درجات هذا الوضوح. فالجملة تتكون من أجزاء سليمة وهذا ما يكفله علم النحو؛ صالحة للسكنى، وهذا ما يكفله علم المعاني. هذه الجملة ذاتها يمكن أن تعرض عرضاً متنوع الأنماط، وهذا ما يكفله علم البيان).
فأولاً - ليست وظيفة علم البيان البحث في درجات وضوح التعابير، وإنه لمن تنقص هذا العلم أن نقول إن مباحثه تقتصر على معرفة أن مهزول الفصل أوضح من كثير الرماد في الدلالة على الكرم، أو أن التشبيه والاستعارة مختلفان في وضوح الدلالة؛ ولكن هذا العلم له أبحاث كثيرة قد يكون البحث في وضوح الدلالة أقلها.
وثانياً - قوله:(الجملة تتكون من أجزاء سليمة، وهذا ما يكفله علم النحو). فالنحوي لا يبحث في سلامة المفردات وإنما يبحث هذا علم التصريف، ووظيفة النحوي سلامة التراكيب.
وثالثاً - كون الجملة صالحة للسكنى ليست وظيفة علم المعاني، ولكن صاحب المعاني