بن جبلة، وابن مزيد، وابن قحطبة على التوالي. فانبرى لقتالها رجلا المأمون: طاهر بن الحسين، وهرثمة بن أعين.
وبعد حروب امتدت ثلاثة أعوام وطئت عساكر المأمون أرض بغداد، وقتل الأمين بأيدي الخراسانيين، وحمل رأسه إلى أخيه مع بقية شارات الملك، وكان هذا القتل على غير رغبة المأمون. . .
تولّى كبرَه رجال طاهر من الفرس حين أسلم الأمين نفسه إلى هرثمة بن أعين. وليس من شك في أن الأمين أيضاً كان يظنّ بأخيه أن يقتل فيما لو أظفره الله به. وآنا لنراه يوصي. قائد جيوشه (علي بن عيسى بن ماهان) يوم وجّهه من بغداد إلى خراسان فيقول:
إذا شخصته - يعني عبد الله المأمون - فليكن مع أوثق أصحابك عندك، فان غره الشيطان فناصبك العداء فاحرص على أن تأسره أسراً!
وتقول زبيدة أم الأمين في وصيتها للقائد (علي): اعرف لعبد الله حق والده وأخوُّته، ولا تجبهه بالكلام فإنك لست نظيرهَ، ولا تقتسره اقتسار العبيد، ولا توهنه بقيد ولا غلّ. . . ولا تركب قبله، ولا تستقل دابتك حتى تأخذ بركابه، وان شتمك فاحتمل منه، وان سفه عليك فلا ترادِّ. . . ثم هي ترفع إليه قيداً من الفضة وتقول: إن صار في يدك فقيده بهذا القيد!
فلمّا تمّ النصر للمأمون، واستولى على عرش بغداد قال لجلسائه مرة وهو يثلب الفضل بن الربيع ويعدد مخازيه: كان صغوه إلى المخلوع، فحمله على أن أغراه بي ودعاه إلى قتلي، وحرّك الآخر ما يحرك القرابة والرحم الماسّة فقال: أما القتل فلا أقتله، ولكن أجعله بحيث إذا قال لم يُطع، وإذا دعا لم يُجب. فكان أحسن حالاتي عنده أن وجّه مع علي بن عيسى قيد فضة بعد ما تنازعا في الفضة والحديد؛ ليقيدني به، وذهب عنه قوله تعالى:(ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه، لينصرنّه الله).
كان المأمون يعرف عن أخيه فسول الرأي وسهولة الانقياد لمن أحاط به من بطانة السوء، ولعله لو وقع في أسره لكان أقصى ما يفعله معه أن يقيده بهذا القيد من الفضة الذي أعدّه له، ثم يحمله حتى يطرحه عند أمه زبيدة فيقول لها: - أدّبي ولدك يا أماه بما أساء، فلقد خان عهد أبينا الرشيد، وأصاخ إلى من يريدون بأسرتنا وبملكنا شراً. . .
ولكن جرت الأمور بغير ما قدّر هؤلاء جميعاً، وطاح رأس الأمين على مذبح هذه الفتنة