وتنزي ملتن تنزي الليث الجريح يريد أن يتعجل الرد، ولكن المرض يقعده والعمى يحوجه إلى من يكتب له؛ ولم يك أعون له يومئذ من ابن أخته جون فيليبس، ولكن فيليبس كان في شغل يرد كلفه به عمه على هجوم آخر صغير وجه إليه؛ لذلك لم يكن بد من التمهل. فتمهل ملتن على رغمه وإن جوانحه لتتقد حقداً على مورس ومن دفعه من الكائدين.
وظل ملتن يرصد أنباء مورس ويتسقط معايبه، ويرسل من يتجسس عليه ويجمع ما يستطيع جمعه مما عسى أن يكون حوله من أمور تشينه في حياته العامة وفي حياته الخاصة.
وكان ملتن حرياً أن يترفع عن هذا فلا يكف نفسه مثل هذا العناء من أجل إمعة من النكرات يعد ازدراء ملتن إياه لما في ذلك من مجرد الاكتراث له شرفاً يلحق به، وحسبه أن يرد على ما ينسب إلى الحكومة من مثالب مقيماً الدليل إن أمكنه على بطلانها وحقيقة الدافع إليها.
وإنه لمما يؤسف حقاً أن يتنزل رجل مثل ملتن على جلالة قدره وسمو أفقه إلى ما لا يخرج في جوهره عن كونه مغالبة ومجادلة حزبية لقوم يعكفون عليها غدواً وعشياً لا يبتغون إلا الكيد ولو أنه أعرض عنهم واستصغر لكانوا هم المكيدين. . .
وجاء رده بعد سنتين أي سنة ١٦٥٤ إذ نشر باللاتينية (الدفاع الثاني)، وأن المرء ليتملكه الأسف كلما فكر في فيما كانت تجدي على الشعر مثل هذه الطاقة من جانب شاعر أقترن أسمه بالسمو في ذلك الفن، وجاوز بلسان قومه في شعر الغناء والملاحم أسمى درجة أمكن أن يبلغها شاعر من قبله وبعده بحيث صار له في الشعر الإنجليزي أفق يشرف أقوى الشعراء بعده تحليقا أن يدنو منه فيتشرف له، وفي شعر الدنيا قاطبة مكانة تسلكه في القلائل الأفذاذ.
على أن كتاباته النثرية منها والإنجليزية لم تخل من فائدة وأهمية فمنها وقفنا على كثير من آرائه في الدين والسياسة والاجتماع، ومنها لمحنا بعض خلاله ونزعات وجدانه وخلجات شعوره، هذا إلى أنه كان يبلغ أحياناً في نثره كما سبق القول درجة لا تتقاصر عن مستوى شعره، بلاغة عبارة، وإشراق ديباجة وقوة أداة، وروعة فن. مما جعله يعد فيمن لهم على اللسان الإنجليزي عظيم فضل. . .