وليست الحياة في البيت حياة كسل أو خمول، فنجد في إحدى الحجرات الخدم يغزلون الكتان على مغازل أولية لا تزال تستعمل في الأمم المتأخرة، بينما يشتغل آخرون على النول الأفقي أو العمودي بنسج أنسجة تيلية تختلف خيوطها من حيث الدقة والمتانة، ولا تزال بعض هذه المصنوعات موجودة، وهي لا تقل جمالاً وجودة عن أجمل الحرائر الحالية - ولا نعرف إلا الشيء القليل عن استعمال الصوف في الدولتين القديمة والوسطى - بيد أن المعاطف الثقيلة التي نراها ممثلة أحياناً على التماثيل أو فوق النقوش، لابد أنها كانت مصنوعة منه
ونرى العمل قائماً على قدم وساق لإعداد الطعام في مطبخ البيت، ونجد النساء يطحن القمح بقطعة من الحصى على لوح كبير من الحجر، ويعجن الأرغفة في أشكال مختلفة من الشعر والشوفان ويخبزنها في فرن أسطواني من الفخار أو أفران من اللبن، ونلاحظ أن هذه الأفران كانت منخفضة ومفتوحة في عهد الدولة القديمة ومرتفعة ومقفلة بعدها
كذلك نجد صناع الجعة يأخذون الكعك المصنوع من الشعير أو حبوب البيشة ويكسرونه في الماء، ثم يضغطونه بعد أن يتخمر في مناخل رفيعة، ويعصرونه في أوان كبيرة، ويعبئ غيرهم العصير الناتج في قدرين طويلتين. أما النبيذ، فالراجح أنه لم يكن يصنع في المطابخ، بل قرب الكروم نفسها، فكان العنب يحمل في سلال، ثم يوضع في مكبس، هو لوح كبير من الحجر له سطح مجوف، ثم يدهسه خمسة رجال أو ستة ممسكين بحبال مربوطة إلى عمود أفقي مثبت فوق رؤوسهم، وبعد أن يصب النبيذ في قدر تحته يوضع العنب المدهوس في قطعة من القماش أو في زكيبة يلف طرفاها لفاً عكسياً بقطعتين من الخشب يمسك كل واحدة منهما رجل، وبهذه الطريقة يعصر العنب عصراً جيداً، ثم يوضع هذا العصير الأخير في قدر، وينقل العصير كله إلى قدر ليختم كل منها بالطين كما يفعل الفلاح اليوم بقدر عسله وجبنه، ويبصم الغطاء بخاتم أسطواني، أو في شكل جعران عليه اسم صاحب الكرم أو الموظف المسؤول عنه