الأحمق أو المخذول أو الضائع هو الذي يقطع العمر نائماً أبداً ليظل مالكاً أبداً لهذه الكنوز، وهو يعلم أنه لابد مستيقظ، وأنه متى انتبه في آخرته لم يجد منها شيئاً (ووجد الله عنده فوفاه حسابه)
كلا، كلا، ليس هناك فقر ولا جوع وما إليهما، بل هناك وضع هذه الحقيقة: ينبغي أن تجد نفسك، وموضع نفسك، وإيمان نفسك، وعزة نفسك، فإذا أدركت ذلك ورفعت نفسك إلى موضعها الحق، وأقررتها فيه وحبستها عليه، وحددتها بالإنسانية من ناحية، وبالله من الناحية المقابلة - رأيت إذن أن قيمتك الصحيحة في أن تكون وسيلة تعطي وتعمل لتعطي، لا غاية تأخذ وتعمل لتأخذ - ومهما ضيق عليك، فنما أنت كالشجرة الطيبة تأخذ تراباً وتصنع حلاوة. وما قط نبتت شجرة في مكانها لتأكل وتشرب وتختزن السماد والتراب، وتحصنهما وتمنعهما عن غيرها، ولو قد فعلت ذلك شجرة لكان هلاكها فيما تفعل، إذ تحاول أن تضاعف فائدتها من قانون العالم، فيكون طمعها سريعاً في إفساد الصلة بينهما، فلا يجد القانون فيها نظامه، ومن ثم لا تجد في القانون نظامها، فيهلكها الذي كان يحييها، وتستبعد لحظّ نفسها فيفقدها ذلك حرية الحياة التي كانت لها في نفسها.
يقول نبينا صلى الله عليه وسلم:(إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تنزع من بين جبينه وهو يحمد الله عز وجل.) فهذا هو أسمى قانون اجتماعي يمكن أن تظفر به الإنسانية وما يأتي لها ذلك إلا إذا أصبحت تلك المعاني التي أومأنا إليها شعوراً اجتماعياً عاماً، مقرراً في النفس، قائماً فيها على إيمان راسخ بأن الفرد هو صورة المجتمع لا صورة نفسه وحدها، وأن الناس كحب القمح في سنبلة ليس لجميعه إلا قانون واحد، فموضع كل حبة من السنبلة هو ثروتها، علت أو سفلت، وكثير ما تأخذه أو قل، وإذا كان أساس الحياة في الحبة منها أن تجد قوامها وكفايتها من مادة الأرض فتمام الحياة فيها أن يغمرها النور من حولها، وأن يستمر النورمن حولها يغمرها.
فالحبة من السنبلة بكل خير على كل حال، وإنها لتُنْزَع وما بها أنها نُزِعت، ولكنها أدت ما تؤدِيّ، وانقطعت من قانون لتتصل بقانون غيره، وما اغتنت ولا افتقرت، ولا أكثرت ولا أخَفَّتْ؛ بل حققت موضعها، فإنها ما نبتت لتبقى، وما نمت إلا لينقطع نماؤها. وكذلك المؤمن الصحيح الإيمان، الصادق النظر في الحياة؛ هو أبداً في قانون آخرته؛ فهو أبداً في