الأطوار؛ طفح النمش على وجهه وأرخى لحية حمراء شعثا؛ أما حين يمسك بالفرشاة فإنه يثبت أنه سيد فنه حقاً، وكان يجد في البحث عن أمثلة صوره بشوق وتلهف. وما جذبه إلى (هوفي) في بدء الأمر إلا إشراق وجهه، ولا غرو فكان دائماً يقول (ما على الرسام أن يعرف من الناس سوى البسطاء الوجهاء الذين تجد في النظر إليهم لذة فنية، وفي التحدث معهم راحة الذهن. فالوجهاء من الرجال والحسناوات من النساء يحكمون العالم، أو يجب أن يفعلوا ذلك على الأقل) وكلما زاد معرفة بشخصية (هوفي) زاد إعجابه بروحه المرحة الخفيفة، وطبيعته الكريمة الطائشة، حتى فتح أبواب مرسمه على مصراعيها أمامه في كل وقت.
وعندما دخل (هوفي) وجد (تريفور) يجمّل صورة رائعة لشحاذ بالحجم الطبيعي، وكان الشحاذ نفسه واقفاً على ربوة مرتفعة في زاوية من زوايا المرسم، وهو رجل عجوز تبدو الحكمة على وجهه المتغضن الكئيب الداعي إلى الشفقة. وكانت على كتفه عباءة رثة من قماش داكن، وكان حذاؤه الغليظ قديماً مرقعاً. واتكأ الكهل بإحدى يديه على عصا غليظة بينما مدّ يده الأخرى بقبعته البالية يتكفف الناس.
وصافح (هوفي) صديقه وقال همساً (يا له من مثال رائع!) فصاح (تريفور) بأعلى صوته (نموذج رائع؟ أعتقد ذلك، لأنه لا يُلتقي بأمثال هذا الشحاذ كل يوم! إنه كنز يا عزيزي)
- مسكين هذا الرجل! يا له من بائس! ولكني أظن أن وجهه بالنسبة إليكم معشر الرسامين هو كل ثروته؟
- بلا شك. إنك لا تريد الشحاذ يبدو سعيداً؛ أو تريد؟ فسأل هوفي (وكم يتقاضى النموذج مقابل هذه الجلسة؟) واقتعد مقعداً مريحاً.
- شلناً في الساعة.
- وكم تتقاضى أنت عن الصورة يا آلن؟
- آه! عن هذه أتقاضى ألفين.
- من الجنيهات.
- نعم يا عزيزي.
- فصاح (هوفي) ضاحكاً (هذا حسن! ولكن يجب أن يظفر النموذج بنسبة مئوية لأن عمله