وقد أفتن المتخيلون في نسبة كثير من الطرائف إليه في هذا الباب تمثل - أكثر ما تمثل - ألواناً من آراء متخيليها وروح الدعابة الأصلية في نفوسهم.
ولكن أي الشخوص الجحوية سلم من أمثال هذه الغمازات؟ على أن سواد الباحثين يذهبون - في غير مغالاة - إلى أن (مرآة البومة) كان فلاحاً ذكياً مستقيم الفطرة، وأنه لم يلجأ إلى التشبث بحرفية ما يلقى إليه من حديث، إلا رغبة في السخرية من غرور سكان المدن المتحضرين الذين لا يستطيعون إخفاء ما يضمرونه من احتقار لأمثاله من الفلاحين.
ويستدلون على ذلك بقصته مع الخباز، وإليكم خلاصتها فما يتسع الوقت لغير الخلاصات.
قدم (مرآة البومة) على خباز في بعض المدن، واتفق معه على أجر يومي لعمله. وأمره الخباز ذات يوم أن ينجز - في غيبته - ما أعتاد أن ينجزه كل يومٍ من أرغفة الخبز.
فسأله (تل) متبالهاً: (ماذا أخبز؟).
فضاق صدر الخباز بغباء صاحبه، وقال له متهكما:
(اخبز لنا بوماً وغرباناً!):
وما كان أشد حيرته حين عاد فرأى صاحبه يطبق ما سمعه منه تطبيقاً حرفياً، فيخبز كل ما لديه من الدقيق بعد أن يقطعه على صور البوم والغربان وأشكالها، ولا يكاد الخباز يعود، ويرى ما فعله (تل) حتى يتملكه الغيظ، فينهال عليه تعنيفاً وتقريعاً. فيقول (تل): (ماذا يغضبك؟ ألم تقل لي ذلك؟ ألم تأمرني أن أخبزه بوماً وغرباناً).
فإذا اشتد هياج الخباز قال له (تل): (هون عليك يا صاحبي ولا تتماد في غضبك، وخبرني ثمن ما أتلفت من خبز؟).
فيقول:(جنيهان) فينقده (تل) ما طلب. ثم يحمل السلة إلى السوق، فلا يكاد يراها الناس حتى يتهافتوا على شراء تلك الأشكال الطريفة التي أبدع صنعها ولم يكن لهم عهد بمثلها فيبيعها بخمسة أمثال ما دفعه للخباز. وينمي إلى الخباز ما ظفر به صاحبه من نجاح، فيعود إليه مستعطفاً، ليستأنف عمله، بعد أن ظهر له وجه الفائدة في ابتكار (تل) ولكنه لا يعثر له على أثر. فقد غادر المدينة، وكأنما كان (تل) يتوقع هذه النتيجة، فذهب إلى مكان آخر ليستديم حسرة الخباز عقاباً له على ما أسلفه إليه من إساءة وغرور.
ومن بديع ما يستدل به الباحثون على حرص (تل) على التقيد بحرفية ما يقول بعد أن