علينا، والنقمة على الإسلام وأتباعه في عدة قرون حتى أصبحت جزءاً من نظامنا، وكانت هذه الأوهام متأصلة فينا، كالبغض الدويّ المستتر أبداً في أعماق قلوب النصارى لليهود).
(وهناك سبب آخر، وهو أن بعض أرباب الأفكار يرى أنه من العار أن يعتقد أن أوربا النصرانية مدينة لأعداء دينها يخرجوها من ظلمة الهمجية. . . وليس من شكك في أن العرب كانوا ممدنينا وأساتذتنا مدة ستمائة سنة.
(ولا جرم أن كثيراً من المؤرخين قد اندفعوا بسائق هذه الأوهام، فأتوا بآراء بعيدة عن محجة الصواب في بيان فضل الحضارة الإسلامية، ولا يزال التحامل على العالم الإسلامي القديم بحالة من الشدة، ولذلك وجب أن يعاد النظر في تاريخ القرون الوسطى بجميع أجزائه التي لها مساس بانتقال المدنية القديمة إلى العصور الحديثة).
ونود في ختام هذا الحديث. أن نثبت أقوال بعض عظماء المستشرقين في الحضارة الإسلامية العربية، وذلك استجماعاً للموضوع من جميع نواحيه، ودحضاً لأوهام الخصوم وحملاتهم، بشهادة من لا تجمعهم بنا إلا صلة العلم، ونزاهته الحقيقية، دون أي آصرة أخرى من أواصر القربى، وعلائق الدم، وصلات الجنس:
يقول أوليري:(إذا محونا العرب من سجل الحضارة. تأخرت النهضة الأوربية قروناً عديدة).
ويقول هـ. ج. ولز:(إن العرب هم الذين حفظوا كنوز الحضارة اليونانية من أن تتسرب إليها بكتريا همجية القرون الوسطى، وليس طبقة الاكليروس الذين خنقوا نشوء العلم بحجرهم الحرية الفكرية، ولولا العرب لما قطعت المدنية هذا الشوط الواسع في مضمار التقدم والرقي)، وقال أيضاً:(كانت طريقة العربي أن ينشد الحقيقة بكل استقامة وبساطة، وأن يجلوها بكل وضوح وتدقيق، دون أن يترك منها شيئاً في ظل الإبهام، وإن نشدان النور إنما تعلمناه من العرب وليس من اللاتين).
وقال العلامة السياسي أوجين يونغ في كتابه يقظة الإسلام والعرب:(. . . لقد كان للعرب ماض مجيد يدعو إلى الدهشة: ماضٍ حربي ثم ماضٍ في العلم الراقي والصنائع الزاهرة؛ ذلك الماضي الذي اتخذته أوربا في نهاية القرون الوسطى دعامة لحضارتها بعد أن كانت نصف متوحشة).