والمبالغة أحياناً كلما اقتضت الظروف. غير أن هذا التطبع قد أضطره هنا إلى بعض الإطالة، وصحيح أن الإطالة من مثله مرغوبة محببة لأنها تحمل في غصونها معلومات مفيدة أو طريفة غالباً إلا أن حجم هذا الكتاب لا يحتملها نسبياً. فمثلاً في القسم الأول لكي يصل إلى تفهيمنا أن العلم يخدم السياسة يبدأ بأقوال شتى لمحمد عبده وأرسطوطاليس وبلاتون وسقراط، وإلى هنا يكون قد أستنفد سبع صفحات من تسع صفحات مخصصة للقسم كله. وهكذا في سائر الأقسام تقريباً. كذلك يطيل في شرح بديهيات. فقد عقد قسماً كاملاً عن (العلم والمال) يدور حول تعريف أصحاب الأموال والعقارات أنهم لو استخدموا الطرق العلمية في إدارة أموالهم وتنظيم عقاراتهم لزاد إنتاجهم.
وهناك سمة أخرى من سماته كمدرس نلمسها حين يدلي ببعض آراءه في صيغة الأحكام المؤكدة التي لا تقبل المراجعة أو التعقيب من ذلك قوله:(السياسة أرفع الفنون البشرية منزلة وأعلاها قدراً)!! لماذا يا سيدي؟ يقول:(لأن كل فن يرمي إلى تحقيق فائدة لنفر من الناس، أما فن السياسة فغرضه نفع الناس جميعاً)!! وأظن أنه ليس هناك ما يمنع أي إنسان من أن يرفع من شأن أي فن يشاء. غير أن السائغ المحتمل أن الفنون كلها رفيعة المنزلة بلا تفاضل، كما ينبغي أن ترمي كلها إلى نفع الناس جميعاً، قد يجوز التفاوت ولكن هل يجوز أن يعزى - إن وجد - إلى الفائدة من حيث كثرتها أو عمومها؟! وثالثاً:
شخصية الأديب:
وما بنا من حاجة إلى وصف الدكتور بالأديب فإن كل إنتاجه يمت إلى الأدب الممتاز بصلة وثيقة تفسح له بين أساطين الأدب مكانا محترماً. غير أن معظم العلماء الأفاضل حين يكتبون يميلون إلى زخرفة أسلوبهم بما تدلهم عليه (قواعد البلاغة)، وهذا الأسلوب على هذا النحو هو الذي ينم على أنهم علماء
لذلك نجد الدكتور تارة يصطنع (التضمين) اصطناعا يكاد يكون مقصودا لذاته، فيقول مثلاً وهو يستحث الشرق لينهض كالغرب:(فإما خففنا معهم وإما تخاذلنا فقعدنا فرمونا بحجارة من سجيل فَجُعِلْنا كعصف مأكول)، ويقول وهو يسرد حقيقة علمية معروفة:(الجسم إذا كان في موضع مرتفع فإن ذلك يكسبه مقدرة خاصة على اكتساب الحركة فيكون كجلمود صخر حطه السيل من عل).