مهد لها قائلاً (قالوها في مذمة أولئك الرجال الذين حاولوا في عصور سحيقة أن يضعوا اللبنات الأولى في بنيان هذه الحضارة. .). وعقب عليها مستنكراً أن يكون هؤلاء الرجال الباحثون (حكمهم حينما أرادوا الدنو من المعرفة ومن العلم حكم الفراش الذي يرى النور المتوقد فيثب عليه)
ثم استطرد بعد صفحات فقال:(ومن البلاء حقاً أنهم لم يقصروا عند امتداح الجهالة بل قاموا - بلاهة كثيفة - يمتدحون الجنون والبله والمجانين. . . وهنالك قسم كبير من الأولياء كتبوا في الطبقات يسمون بالمجاذيب أو بالأولياء المجاذيب، وقد أورد الشعراني في كتابه طبقات لأولياء الكبرى أسماء طوائف كثيرة من هؤلاء المجذوبين. وكذلك صنع غيره)
أما الفصل الذي تناول فيه موضوع المرأة بعنوان: إنسان هي أم سلعة - فقد قابل به بين أقوال المتطرفين في الحجر عليها وأقوال المتطرفين في تخويلها حقوق العمل والحرية، ووقف بين الطرفين وسطاً يعدل بين هؤلاء وهؤلاء، ولكني أحسبه لو خير بينهما لآثر الإطلاق على التكبيل بقيود الحجر والجمود
ونحن نوافق الأستاذ القصيمي على الهدف الذي يرمى إليه، وعلى الآفة التي يشكو منها، ولكننا نخالفه في بعض الآراء كما نخالفه في بعض العبارات، ولا نخص منها بالذكر هنا إلا جانباً واحداً يلتبس فيه الرأي ويبدو فيه الظاهر على وجه غير وجه الباطن، أو وجهه الذي نطلع عليه بعد المراجعة والموازنة بين الحقائق المتقبلة. فرب حقيقة تقابلها حقيقة أكبر منها، ورب ناحية نراها وحدها فإذا هي مستنكرة، ونراها في مكانها من مجموعة النواحي المختلفة، فإذا هي لازمة لا غناء عنها
هذا الجانب الذي نخصه بالذكر في هذا المقام هو كلام الأستاذ على فلسفة التصوف إذ يقول: (إن وجه الخطأ في هذه الفلسفة أنهم اعتقدوا أن الروح والجسد عالمان مستقلان متعاديان، وأن كلاً منهما حرب للآخر، وأن كلاً منهما أيضاً إنما ينمو ويزكو على حساب الآخر. فإذا أهين أحدهما وعذب نما الآخر وترعرع وقام بوظيفته خير مقام، وإذا أكرم وأريح وأجم أصاب الآخر بالعكس. . وهذه فلسفة عقيمة لا تقف أمام الحقائق. فإن الروح