عنه إلى غيره. فكذلك هذه الصفات الخبيثة ينبغي أن يسلط بعضها على بعض. هـ.
وهذا العلاج الذي وضعنا له عنوان (تماحي الرذائل) ينطوي على خطر غامض دقيق يستوجب ألا يتعرض لمزاولته وأخذ المريد به إلا كل طب خبير بأدواء النفوس، عارف بالعلل الخلقية دقيقها وجليلها، وأيها أصعب علاجاً، وأيها أيسر تحولاً. . وإلا تفاقمت العلة بمريضه وهو يحاول شفاءه، أو مات بين يديه وهو يريد إحياءه. . .
وقد سبق الغزالي إلى توضيح هذه الخطورة وإلى التحذير منها - وكم للغزالي من سبق إلى مثل هذه الحقائق النفيسة الخالدة - فهو يقول بعد ذكر علاج البخل (بتكلف السخاء على قصد الرياء): إلا أن هذا مفيد في حق من كال البخل أغلب عليه من حب الجاه والرياء، فيبدل الأقوى بالأضعف، فإن كان الجاه محبوباً عنده كالمال فلا فائدة فيه، فإنه يقلع من علة ويزيد في أخرى مثلها!
ويضرب لنا الغزالي في موضع آخر مثالاً حسياً عجيباً لتناحر هذه الرذائل واصطراعها في النفس حتى تضعف فتفني جميعاً، وتحل محلها الفضيلة التي جعلناها هدفنا من العلاج، فيقول: مثال دفع هذه الصفات بعضها ببعض ما يقال إن الميت تستحيل جميع أجزائه دوداً، ثم يأكل بعض الديدان البعض حتى يقل عددها، ثم يأكل بعضها بعضاً حتى ترجع إلى اثنتين قويتين عظيمتين، ثم لا تزالان تتقاتلان إلى أن تغلب أحدهما الأخرى فتأكلها وتسمن بها، ثم لا تزال تبقى جائعة وحدها إلى أن تموت. فكذلك هذه الصفات الخبيثة يمكن أن يسلط بعضها على بعض حتى يقمعها ويجعل الأضعف قوتاً للأقوى إلى أن لا يبقى إلا واحدة، ثم تقع العناية بمحوها وإذابتها بالمجاهدة. هـ.
خاتمة:
الحلم كسائر الفضائل وسط ممدوح بين طرفين مذمومين. فإذا نحن (تحيّفنا) منه متجهين إلى أحد طرفيه كان ذلك تفريطاً في الحلم يتحول بنا إلى الحدة وإلى السفاه وسرعة الغضب. وإذا نحن (تزيدنا) فيه متجهين إلى طرفه الثاني كان إفراطاً يفضي إلى الضعف والخور وفقد الحمية، وكلا الطرفين مذموم. أما الأول فحاله معروف، والتحذير من الغضب كثير، لأن النفوس إليه أسرع، فكان التخويف منه أوجب وأولى.
وأما فقد الحمية فآفة أقل - في سواد الناس - من الغضب انتشاراً، ومع ذلك يتردد ذمها