للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كثيراً، لأنها الإفراط المتناهي في الحلم الذي يتحول به من ممدوح الفضائل إلى مقبوح الرذائل.

يقول الغزالي في هذا المعنى: (لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر؛ فلذا كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف، وإن كان العنف في محله حسناً، كما أن الرفق في محله حسن. فإذا كان الواجب هو العنف، فقد وافق الحق الهوى، وهو ألذ من الزبد بالشهيد!)

هذا، ومن المشاهد الذي يستحق التسجيل أن السفه قد يكون مستحسناً في بعض المواطن، وربما يبدو في بعض الظروف واجباً حتى ليذكر في معرض المدح. ومن هنا يقول عمرو بن العاص: أكرموا سفهاءكم فإنهم يقونكم العار والشنار! ويقول مصعب بن الزبير: ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا! ويقول الشافعي ناصحاً للفقهاء: ينبغي للفقيه أن يكون معه سفه ليسافه عنه!

وانظر بعد إلى قول أبي تمام في مدح أسحق بن إبراهيم المصعبي:

إن المنايا طوع بأسك، ولوغى ... ممزوج كأسك من ردىً وكلوم

والحرب تركب رأسها في مشهد ... عُدل السفيه به بألف حليم! ... وهو الحكيم_لكان غير حكيم

وفي حديث شريف: خير أمتي إحداؤها (من الحدة) الذين إذا غضبوا رجعوا. ومن مأثور قول الشافعي: من استغضب فلم يغضب فهو حمار. قال الغزالي: (فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلاً فهو ناقص جداً. وقد وصف الله سبحانه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالشدة والحمية فقال: أشداء على الكفار رحماء بينهم. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم. . وإنما الغلظة والشدة من آثار قوة الحمية، وهو الغضب).

على أن الغزالي يحدد لنا صفة الغضب في موضع آخر فيقول: (المطلوب من صفة الغضب حسن الحمية، وذلك بأن يخلو عن التهور وعن الجبن جميعاً، وبالجملة أن يكون في نفسه قوياً، ومع قوته منقاداً للعقل)

فليس يغني المرء إذن أن يعرف بالحلم في موضعه ما لم يعرف بالغضب كذلك في

<<  <  ج:
ص:  >  >>