للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موضعه؛ وإذا قلنا (الغضب في موضعه)، فقد جعلناه فضيلة وحكمة، إذ ليست الحكمة إلا وضع الأمور في مواضعها. بل لو قّرنا ذكر أية رذيلة بقولنا (في موضعها) لأصبحت فضيلة يحث عليها ويشاد بذكرها. فالكذب في موضعه فضيلة وقد نسميه: حسن التأتي، واللباقة، وحسن التصرف. والجبن في موضعه فضيلة، نسميه: الحرص، والتوقي، والحذر. . . وهكذا.

المقياس الصحيح إذن أن نوائم بين تصرفنا - بالقول أو بالعمل - وبين الموقف الذي نكون فيه؛ وبقدر اختلاف المواقف يكون اختلاف التصرفات. والخطأ في التطبيق هنا يتأتى من الخلط بين كل موقف وما يلائمه من تصرف. وأحسب أن النعمان بن المنذر كان أحد من اخطئوا على هذا الوجه. فقد روى أنه أتى برجلين قد أذنب أحدهما ذنباً عظيماً فعفا عنه. والآخر أذنب ذنباً خفيفاً فعاقبه. ثم أنشد يقول:

تعفو الملوك عن العظيـ ... م من الذنوب بفضلها

ولقد تعاقب في اليسيـ ... ر، وليس ذاك لجهلها. .

لكن ليُعرَف حلمها ... وتُخافَ شدة ذحِلها!

وهذا سوء تصرف منشؤه الخلط بين مواطن العفو ومواطن العقوبة

نعم، كان من حق النعمان أن يعرف الناس حلمه، وأن يخوفهم شدة ذحله، لكن على أن يجعل لكل من الحالين موضعاً لا يعدوه، وشرطاً لا يخل به. فأما وقد فاته ذلك فقد صير حلمه تفريطاً وعقوبته إفراطاً. . . وكلا الأمرين وضح في جبين الحق، وانحراف في ميزان الحكمة والعدالة.

(- تم الحديث - جرجا)

محمود عزت عرفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>