وأقبل الفتيان يستمتعان بالحياة كما يستمتع الفتية في المدينة وكان الناس قد سئموا البيوريتانية في نزعتها الاجتماعية وضاقوا بالحياة خالية من المرح والزينة. فتهافت الشباب على الموسيقى والشعر، ورأت الحكومة ألا مناص من مماشاة هذه النزعة مخافة أن يؤدي التشدد في صدها إلى ازدياد الدعوة إلى إعادة الملكية؛ فسمحت بنشر بعض الكتب الخفيفة التي تطلب للتسلية واللهو أكثر مما تطلب للمنفعة؛ وكانت المسارح جميعاً مغلقة تحول الشرطة دون فتحها؛ ولكن واحداً استجد فسمحت الحكومة بأن يستمتع فيه الناس بالموسيقى، وبعض المسرحيات من النوع الغنائي، وأحس أهل لندن بشيء من المرح والأنس يدب في الحياة التي ألقت عليها قيود البيوريتانية كثيراً من الوحشة والجهامة.
وتطرف الفتيان في مسايرة النزعة الجديدة، وعلى الأخص أصغرهما جون فيلبس فقام على نشر كتاب احتوى على غير قليل من الاستهانة والمجون. ثم نشر كتاباً آخر جعل عنوانه:(سخرية من المنافقين) وهاجم فيه البيوريتانية هجوماً عنيفاً، وأما أكبر الأخوين فكان لا يزال يغلب عليه التحفظ والتحرج وإن شايع الاتجاه الجديد كما تجلى في كتابه:(أسرار الحب والفصاحة).
وفي أوائل شهر سبتمبر سنة ١٦٥٨ قضى كرمول نحبه، وذهب بذهابه الرجل الذي طالما عقد ملتن عليه الرجاء؛ وحزن الشاعر للنبأ العظيم وازدادت من المستقبل مخاوفه، وإن كانت حماسته لكرمول قد مسها الفتور قبل مماته بسبب سياسته الدينية
ولسنا نعرف على وجه اليقين هل كانت ثمة صلة شخصية بين الرجلين؟ ولقد ذهب فريق من المؤرخين إلى أن مثل هذه الصلة كانت قائمة بينهما، ولكن لا يسوقون حادثة واحدة تؤيد زعمهم هذا وقصاراهم الاستنتاج والظن، فقد كان كرمول يحب النابهين ويحسن جزاءهم ويقربهم إليه فما يفوته أن يصطفي رجلاً مثل ملتن وضعته الحكومة في مثل ذلك المنصب الخطير، وما ينسى له نضاله عن الجمهورية وبلاءه في رد كيد الكائدين، ويحاول هؤلاء أن يجدوا في مقطوعته التي امتدح بها كرمول دليلاً على صلة شخصية بينهما. .
ولكن فريقاً آخر من رجال الأدب ينكر هذه الصلة، ويقولون إن رضاء كرمول عن ملتن لا يستلزم أن تكون له به معرفة شخصية، وما دامت تعوزنا الحوادث المعينة التي تثبت ذلك