بعد فحصها أنها ذرات الماس القاتلة. يقول:(فأيقنت عندئذ بأني هالك، وامتزج الحزن والإيمان في قلبي حينما هرولت إلى الصلاة. ولبثت مدى ساعة أواجه الموت المحقق، وأضرع إلى الله، وأشكره على أن هيأ لي هذا الموت الهين، وشعرت برضى عميق، وباركت العالم والزمن اللذين عشت فيهما؛ والآن فإني أعود إلى أرض أفضل برعاية الله التي أيقنت إني كسبتها). ولكن أملاً غامضاً في الحياة حمله على أن يتأمل الذرات اللامعة مرة أخرى، وأن يفحصها بواسطة مدية صغيرة، فانتهى بعد فحصها وسحقها إلى أنها لا يمكن أن تكون من الماس، وأنها مسحوق مادة لامعة أخرى لعلها لا تؤذي الحياة. والظاهر أن الصائغ الذي عهد إليه بسحق الماس قد طمع فيه واستبقاه لنفسه واستبدله بهذه المادة. وعلى أي حال فقد نجا تشلليني من هذه المحاولة، واستمر أياماً يرفض الطعام الذي يحمل إليه ما لم يذقه أمامه حارس السجن
وقضى ربك أخيراً أن تختم المأساة المروعة وأن يطلق سراح البريء. ذلك أن الكردينال دي فرارا مبعوث فرانسوا الأول ملك فرنسا قدم إلى رومة لمفاوضة البابا في بعض الشئون، وانتهز هذه الفرصة فالتمس من قداسته أن يفرج عن تشلليني، وأن يسلمه إليه، منوهاً باهتمام ملك فرنسا بأمره، فاضطر بولس الثالث أن يجيب ملتمسه، وأوفد رسوله في الحال إلى الحصن مع كبيرين من حاشية الكردينال، وأفرج عن تشلليني، وأخذ إلى الكردينال دي فرارا، فاستقبله بترحاب، وأنزله بقصره. فلبث به مدى حين ينفض عنه عثار السجن، ويستجمع قواه الذاهبة، ويستعيد مواهبه التي كادت أن تخبو. ولما انتعشت نفسه، عاد فانكب على عمله المحبوب، وأخذ يشتغل بطائفة من الأواني والتحف التي عهد إليه الكردينال دي فرارا بصنعها. ولما أتم الكردينال مهمته في رومة اعتزم السفر إلى فرنسا، فسار تشلليني في ركبه مع فتاه اسكانيو وزميل له يدعى باجولو، وسبفه الكردينال إلى فرنسا، وتخلف هو حيناً في فلورنس وفيرارا، ثم كتب إليه الكردينال ليوافيه إلى باريس، فسار إليها مع عامليه، ولم يكن راضياً عن معاملة الكردينال له من الوجهة المادية، ولكنه لم يستطع التخلف قياماً بحق الوفاء والعرفان لأنه هو الذي أنقذه من إسار السجن. ووصل إلى باريس، ثم سار إلى فونتنبلو حيث كان يقيم الملك وبلاطه، وهنالك لقي الكردينال، فأكرمه وأنزله منزلاً حسناً، ثم استقبله الملك فرانسوا الأول بترحاب وأغدق