عليه عطفه، وقدم إليه التحف والحلي التي صنعها لحسابه، فأعجب بجمالها ودقتها وهنأه على براعته، وعهد إليه بصنع تحف أخرى، وأقطعه منزلاً للعمل والإقامة، وأجرى عليه راتباً حسناً. وهنا يفيض تشلليني كعادته في وصف التحف التي عهد إليه ملك فرنسا بصنعها والزخارف التي وضع نماذجها لبعض أبواب قصر فونتنبلو، ثم يصف لنا حياته اليومية في عاصمة فرنسا. وكانت كالمعتاد حياة عاصفة مليئة بالشجار والمنازعات، وكان قد اتخذ له صاحبة جديدة، هي فتاة فرنسية تدعي كاترينا، تشتغل لديه كنموذج فني، فكانت هذه العلاقة مثاراً لعدة منافسات وفضائح غرامية يصفها لنا تشلليني بصراحته المعروفة. ويقص علينا كيف فاجأ ذات يوم فتاه باجولو متلبساً بالخيانة مع كاترينا، وكيف تسممت بينهما العلائق من أجل ذلك، وطرد الفتاة الخائنة وصاحبها، ثم انتهى بأن رتب لهما انتقاماً جهنمياً هو أنه عقد زواجهما بالإكراه، وسيفه معلق على رأسيهما ثم عاد بعد ذلك فاستخدم كاترينا نموذجاً وخليلة لكي يذل بذلك أنف عامله السابق باجولو، وكيف أنه استخدم بعد ذلك فتاة أخرى، وأولدها طفلة ثم صرفها مع طفلتها بشيء من المال، ولم يرهما بعد ذلك قط
ولبث تشلليني في خدمة ملك فرنسا حيناً من الدهر، ولكنه لم يحظ بعطف الدوقة دتامب صاحبة الملك، وكانت تستأثر يومئذ بالنفوذ في البلاط، وأنفت نفسه من أن يترضاها بوسائل لا تتفق مع كبريائه، فلبثت من جانبها تدس له لدى الملك وتخلق الصعاب في وجهه. ولكن الملك أعرض عن تحريضها حيناً، وعهد إلى تشلليني بأعمال فنية كبيرة منها تماثيل فضية عديدة، وأحواض زهر، وباب برنزي وغيرها، وأدى الفنان هذه الأعمال كلها ببراعته الفائقة، وأعجب بها الملك أيما إعجاب. وأخيراً شعر تشلليني بأن عطف الملك قد فتر، وعاف هذه الحياة المضطربة الفياضة بالأحقاد والدس، فاستأذن في السفر، وذهب إلى الكردينال دي فرارا يلتمس إليه العون في العودة إلى وطنه، فأجاب ملتمسه، وغادر فرنسا غير آسف على فراقها، ووصل إلى إيطاليا بعد رحلة شاقة، وقصد إلى مدينة فلورنس مسقط رأسه، وكان ذلك في صيف سنة ١٤٤٥. وبعد أن أقام أياماً إلى جانب أسرته، سعى إلى لقاء الدوق كوزيمو دي مديتشي أمير فلورنس، فاستقبله بترحاب وعهد إليه بصنع تمثال (لبرسيوس) وتمثال نصفي له، وقضى حيناً في خدمته، ولكن سوء تفاهم وقع بينه وبين الدوقة زوج الأمير، حمله على مغادرة فلورنس، وعندئذ سافر إلى البندقية وأقام بها