للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيه، فلجأ إلى أسلوب غريب (وغريب جداً) في البحث عنها: وهو أن يحمل أكورديونه ويجوب في ذلك الشارع ليلاً متغنياً بقطعة غنائية كان قد غناها لها آخر مرة. واستمر على ذلك بضع ليال دون أن يبالي بصحو الجو أو اكفهراره، حتى أن الماء كان يتساقط من كتفيه في بعض تلك الليالي الماطرة. وأخيراً شاءت له المصادفة أن يعثر عليها فتم بينهما الزواج)

وهكذا تنتهي من القصة!!

وبعد، فهل سمعت من قبل أو من بعد أن محباً حمل آلته الموسيقية وانطلق يجوب بها الشارع الذي تسكن فيه حبيبته، وهو يغني ويعزف كيما يستجلب انتباهها؟! قد تكون سمعت بمثل هذا في أقاصيص العجائز الخيالية البعيدة عن الواقع، أو في أقاصيص بعض القصاصين الكلاسيكيين أمثال شكسبير وبوكاتشيو وسرفانتيس. وأما أن تقرأه في كتاب قصصي لمؤلف مصري معاصر؛ يقول في مقدمة كتابه إن: (أقاصيصه عبارة عن مجموعة صور منتزعة من الحياة الاجتماعية المصرية). فالحق معك إن استغربت من ذلك وأغرقت في استغرابك. إذ أن مثل هذا التصرف الشاذ بالنسبة لعادات وحياة المجتمع المصري بعيد عن الوقوع كل البعد. وبما أننا نعني ب (الصور الاجتماعية) الحوادث التي يتكرر وقوعها حتى تصبح من سمات المجتمع؛ فهذه القصة إذن قد فقدت طابعها الفني - باعتبارها قصة اجتماعية واقعية - ببعدها عن الحقيقة وإغراقها في الخيال، وأقصد ببعدها عن الحقيقة عدم واقعية تكرر حدوثها في المجتمع المصري ذاته، ولا علينا أن يحدث لأحدهم أن يحمل أكورديونه ويعزف عليه ويغني وهو يجوس في ظلمات الليالي في الشارع الذي تسكن فيه حبيبته في بلاد أخرى أو لا يحدث ما دامت القصة مصرية وليست أجنبية!

ويكفي هذا السبب للحكم على هذه القصة بالفشل، لأن تجوال صاحبنا جمال في شارع يلبغا بشبرا وغناءه وعزفه كيما تسمعه حبيبته نادية وتخرج له. حادث رئيس في القصة ترتكز عليه حوادث مهمة ونتائج خطيرة. ومن هنا أطلق المؤلف عليها أسم (موسيقار الطريق). ولما كان هذا الحادث فاشل - لافتقاره إلى الصدق والواقع - فإن ما ارتكز عليه من حوادث ونتائج فاشلة بالطبع، فالقصة فاشلة إذن

- ٢ -

<<  <  ج:
ص:  >  >>