تحب، وان تكون زيناً لامرأة احبتك؟ وهكذا المرأة - إلا من عصم الله. . .
فهم الشاعر المحب مرمى كلامها فأنف لنفسه، فانطلق يسخر منها بعد أن تكشف له ضمير المرأة الغادرة. فقال لها: ليس الشحوب على الفتى بعار، ولا خير الرجال سمينها، وإذا كان شحوبي قد ساءت وآذاك حتى أنكرت مني ما تعرفين، فنعم ولك العتبى علي. عليك بمن يزينك. اطلبي لنفسك راعي غنم قد اطمأنت به وبها الحياة، فعاش خافضاً وادعاً لا هم له إلا بطنه، حتى امتلأ وتضلع وغدا سميناً بضاً جميلًا كأحسن ما تأملين، فأنتن أيها النسوة إنما تحببن من الرجال الزينة وحدها، كأنكن إنما تتخذن الرجال حلياً لا أصحاباً ولا أزواجاً. وهكذا المرأة، هي لضعفها تؤثر لحياتها كل ظاهر يدل على القوة فهي تؤثر البدن القوي على البدن الضعيف، وتؤثر اليسر على الخصاصة، وتؤثر القناعة على الطموح، وان كان قلبها يؤثر بالحب ذلك الضعيف الفقير الطماح الذي اضر به الكدح، ولكن قلب المرأة هو آخر ما تهتم له إذا جاءها بمن لا ترضاه لحياتها؛ فالمرأة مفتونة بكل ما يدل على القوة الظاهرة، ولا تكاد تبالي شيئاً بالقوة المستكنة كالعلم والعقل والجهاد والصبر؛ لأنها تريد أن تحيا حياة مطمئنة محفوفة بما يحسدها علية النساء سواها لا أن تحيا مجاهدة في عذاب حبيب مجاهد.
ومنذ سمعت الشيخ ينشد تلك الأبيات، وقفت على كلمة في هذا الشعر لا أزال اعجب لها وهي:(أبكار الهموم وعونه)(أبكار الهموم)! يالها من كلمة عبقرية! أن مزية هؤلاء الأعراب البداة على سائر من نطق بالعربية هي هذه الجرأة العجيبة التي تنقض على اللغة فتنفضها نفضاً وتختار من ألفاظها كلمة تضعها حيث تشاء، فلا تراها تقلق في مكانها أو تضطرب، وهم بذلك يختصرون المعاني كلها في كلمة واحدة يخبئون فيها أحلامهم وخيالهم وأحاسيسهم وأسرار قلوبهم، كما خبا هذا الأعرابي كل ما كان في نفسه في (أبكار)، ودل بها على المعاني التي كانت تضطرم في قلبه حتى أضنته ومسحت وجهه بالشحوب،، وعرقت لحمة بالهزال، وصيرت إنساناً منكراً في عين من يحب.
فهذا الأعرابي الجريء، والمحب المزدري، الساخر المستخف عندئذ بالناس وبالنساء وبالحياة، قد أراد أن يعلم (أميمته) الباغية أنها إذا كانت تؤثر عليه أمراً غضاً ناضراً ناعماً لم تؤرقه هموم النفس ولم يضر به الكدح في بوادي الأحلام والآلام والآمال، فانه غني