للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وحسب القارئ عنوان الكتاب وحده للدولة على مبلغ ملتن من الشجاعة؛ وليس مصدر شجاعته التهور ولا الجهل بما يحيط به كما قد يخيل إلى بعض حسدته وكارهيه، وإنما كان مثله مثل الجندي في مدينة محاصرة، إذ تأبى عليه نفسه إلا أن يطلق آخر ما في كنانته وان يبذل أقصى ما في طوقه أنفة منه وحفاظاً وان علم انه هالك لا محالة!

ولم يقف ملتن وحدة للدفاع عن الجمهورية الذاهبة وتخويف الناس وتحذيرهم من الملكية العائدة، وإنما حذا حذوه طائفة من أنصار الحكم الجمهوري، فكان هو بكتيبة هذا ترجمانهم القوي الأمين، ولكن هؤلاء الجمهوريين كانوا في الحق أشبه بعلماء بيزانطة الذين اشتد بينهم وبين خصومهم الجدل، بينما كان محمد الفاتح يقرع عليهم أبواب مدينتهم، وقد سوى جنده واعد للأمر عدته!

وان المرء ليتملكه العجب حقاً إذا قرأ ما جاء في كتيب ملتن، وقد نشر قبل مجيء شارل الثاني بنحو شهرين. أقرا مثل عبارته هذه وانظر أي مبلغ بلغت شجاعته. قال: (حقا أن الناس قد أصابهم الجنون، أو أطبقت عليهم الغفلة، فهم يعلقون أكبر آمالهم في الطما نينة أو الأمن على رجل واحد، لا يصنع أكثر مما يصنعه أي رجل غيره إن جاءت به المصادفة طيباً، ولكن له القوة ما يصنع به من الشر أكثر مما يصنع ملايين الناس إن كان خبيثاً، وليس يصده عن وجهه أحد؛ إن سعادة الناس لا تتحقق إلا في مجلس حر يختارونه كله بأنفسهم حيث لا يتحكم فرد واحد ولكن يسود العقل وحده؛ وأي جنون هذا الذي يبلغ بقوم يقدرون على أن يديروا شؤونهم في نبل حتى يلقوا تدبير هذه الشؤون على كاهل رجل واحد، ويفعلون ذلك في ضعف واستخذاء، فيكونون أشبه بصبية لم يبلغوا سن الرشد إذ يتركون كل شيء لرعايته ومطلق تصرفه في حين انه لا يستطيع أن ينهض بما تعهد به، وهو في الوقت نفسه إذ يؤجر على تعهده لا ينظر إلى نفس نظرة خادمهم، بل يعد نفسه سيدهم المطاع!)

ويقترح ملتن أن يكون للمجلس الذي يشير إليه حق الاجتماع مدى الحياة، فلا يتغير رجاله كل مدة معينة إلا من مات أو تركه لأمر ما؛ ويقول ملتن أن هذا المقترح يبدو عجيباً لأول وهلة عند قوم ألفوا البرلمانات، ولكنة ضائق بهذه البرلمان المتغيرة، وعنده أن مثل هذا المجلس الدائم يكون أجدى على الدولة، لأنه يكتسب الخبرة بطول الامد، ويقف على حقيقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>