للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ميول الناس، وما يتطلبه إصلاح أمورهم وتتوثق صلاته بهم، كما تعظم خبرته بالأمور الخارجية، ولكي تضمن الدولة صلاحية من يختارون وصلاحية من اختيروا، ينبغي أن تصلح نظام التعليم وتغرس في نفوس الناس حب الفضيلة والإيثار والتواضع والاعتدال، فلا يغترون بالمظاهر، ولا يخضعون لذوي المال والجاه، ويجب أن يعلموا مبادئ الحرية، ويعلموا كيف يسمون بأرواحهم وعقولهم ولن يحقق هذا للناس إلا جمهورية رائدها الخير للجميع.

ولكن ملتن يائس من بني قومه، انهم لن يستمعوا له فيقول: (أني على يقين انه كان على أن أتحدث إلى الشجر والحجارة فحسب، فليس ثمة من اصبح به، ولكني اهتف مع النبي: أيتها الأرض. . . أيتها الأرض. . . أيتها الأرض. . . لأني التربة نفسها ما يصم أبناؤها المخالفين آذانهم عنه)!

ويتحسر ملتن على الأمل الضائع فيقول (أين ذلك البرج الشاهق الطيب؟ أين الجمهورية التي افتخر الإنجليز بأنهم يقيمونها لتغشي الملوك بالظلمة وتكون روما أخرى في الغرب؟. . إذا عدنا إلى الملكية ووجدنا المساوئ القديمة تعود شيئا فشيئا. . تلك المساوئ التي لا بد أن تنجم عن الملك والقسيس مجتمعين، فربما اضطررنا إلى أن نحارب مرة ثانية كل ما حاربناه من قبل، وكلما اعتبرت في هذه الأشياء الواضحة السهلة المعقولة!)

ولكن هذه الصيحة على قوتها وبلاغتها وما تنطوي عليه من حرارة الأيمان وجراءة القلب، ما لبثت أن ضاعت في ضجيج الناس وأفراحهم بالملك العائد وذهبت في المواكب الهاتفة وفي رعود المدافع القاصفة، كما تذهب حفنة من الماء يلقى بها في عباب دافق، فها هو شارل الثاني يهبط إنجلترا في اليوم التاسع والعشرين من شهر مايو سنة ١٦٦٠، وهو يوم عيد ميلاده، فاصبح كذلك عيد عودته، وكان له من العمر يومئذ ثلاثون عاماً.

وكانت عودة الملكية وبالا على ملتن والجمهوريين جميعاً؛ فقد فَقد منصبه بالضرورة، ولكن فَقد المنصب خطب هين إذا قيس إلى ما بات يتهدده وأصحابه، ولم يك ملتن يتوقع اقل من الشنق نكالا به وبمن ذهب مذهبة من الجمهوريين، وكان اسمه ابغض الأسماء إلى الملكيين بعد اسم كرمول وحده، ولم يعف كرمول الموت من التنكيل برفاقه. فقد بلغ الحنق بالعائدين أن نسوا إنسانيتهم فاخرجوا رفاته من القبر وشنقوا ما تركه البلى من عظام كما يشنق

<<  <  ج:
ص:  >  >>