للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مرارة الفشل ويجرر أذيال الخيبة؛ ففي اشهر ذهبت جهوده التي بذلها في عشرين سنة من عمره هباء، وخر صرح آماله من قواعده ورأى أصحابه يساقون إلى الموت، كما سمع بالقبور تفتح فيحمل إلى المشنقة من طوتهم يد المنون! وبلغ من نفسه كل مبلغ أن يجد الكنيسة وقد عادلها سلطانهم في ظل الدولة، وان البرلمان يقيد حرية النشر بقيود غليظة، وان الحياة يشيع فيها الفجور والفسوق، ويتسلط على سياسة الدولة النساء والمتعصبون والأذلاء من المتملقين والماجنين.

وترك ملتن الحي القريب من هويت هول، واتخذ له مسكناً بعيداً في المدينة أو فيما جاورها. ويقول ريتشارد سون إنه لبث أياماً ينتابه الرعب أن يؤخذ غيلة بيد متعصب من أنصار الملكية، وذلك كان قليلا من الليل ما يهجع، وكان خوفه على بناته اشد من خوفه غلى نفسه!

وقل حظه من الثراء قلة كبيرة، فقد فقدَ مرتبه كما فقدَ ألفين من الجنيهات تعادل سبعة آلاف من جنيهاتنا اليوم كان قد أودعها في مأمن حكومي أثناء الجمهورية، فصودرت كما صودر بعض ما اشتراه من أملاك؛ على انه على الرغم من ذلك ظل يعيش عيشة مرضية لا هي إلى الرغد ولا هي إلى العوز.

وأصابه النقرس، فكان يلقى من الآمة ما يتضاءل عنده ما يعاني من عمى، وظل هذا المرض ينتابه من حين إلى حين، فيضيف آلامه إلى ما ترشقه به الأيام من سهام!

وكان اوجع هاتيك السهام ما كان يلقاه على أيدي بناته، وكانت كبراهن سنة ١٦٦١ في الخامسة عشرة من عمرها، ووسطاهن في الثالثة عشرة، وصغراهن في الثامنة؛ وهن بناته من زوجته الأولى التي ماتت سنة ١٦٥٢؛ وكان يتمل أبوهن أن يكن انسه وسلوت نفسه في وحدته وشقائه، ويكن له عوناً على الأيام، وهو الضرير الذي زال عنه جاهه وألح المرض على بدنه، وهجره إلا قليلا ابنا أخته، إما انشغالا بما ملأ قلبيهما من لهو أو تهرباً مما يكلفهما به من قراءة ومراجعة، ولم يذكرا يده عليهما وقد رباهما في بيته صغيرين ولبثا في رعايته من عمريهما سنين.

ولكن عقوقهما لم يك شيئاً مذكوراً تلقاء عقوق بناته، فقد كان أسوا ما لقي من دهره هذا العقوق الذي ذاق معه اعمق الحزن، وهو الشاعر الذي تتأثر نفسه بالمعاني أضعاف ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>