للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والبرلمان، ولكن ملتن عمل على نجاته وما زال يسعى حتى أطلق سراحه، فلما دارت الأيام دورتها ووقع ملتن في مثل ما كان فيه دفنانت، رد هذا الشاعر له الجميل فعمل على خلاصه؛ وهناك رأى غير هذين يميل إليه كثرة النقاد ومنهم دكتور جونسون وخلاصته أن مرد نجاته إلى شيء من القدر وشيء من العطف، فإن رجلا مثل ملتن كان خليقاً أن يحمل بعقوبته كثيراً من أولى الرأي والبصيرة على أن يقدروه حق قدره فيطلقوه لما هو عسى أن يأتي به في الشعر والفن مما يكون من مفاخر بلاده؛ كذلك كان ملتن خليقاً أن يحمل الظافرين على الرحمة به لما أصابه، فهو اليوم ضرير فقير وحسبه ما أنزله به الدهر من حزن وما ناله به مكن عقوبة؛ ولقد كانت كلمة واحدة من شارل كفيلة أن تفقده حياته، ولكنها كانت تفقد أدب إنجلترا وأدب الدنيا كلها (الفردوس المفقود) و (الفردوس المستعار) و (سمسن اجنستس)، تلك الآثار الخوالد التي ما كانت تجود بمثلها أو بما يقرب منها عبقرية غير عبقرية ملتن.

وشمل العفو ملتن، لكن كان الناس عجباً بعد ذلك أن يأمر البرلمان به فيلقى في السجن، حيث أحرقت كتبه أمامه، وان لم يرى شيئاً حوله، فإن ما يحيط به من ظلمة لن يمحوها ألف نار كالنار التي أوقدتها كتبه؛ ولا يزال أمر حبسه على هذه الصورة غامضاً، ولكن (ماش)، وهو من اشهر من كتبوا عنه يفسر ذلك بأن البرلمان كان قد اصدر هذا الأمر بمسعى أصحابه ليجنبوه الكارثة الصحيحة، وهي إدراج اسمه في المستثنين من العفو! ومهما يكن من الأمر، فانه لم يلبث إلا قليلا حتى أمر بإطلاقه، ولإطلاقه قصة نوردها كشاهد جديد على عناده واستكباره، حتى في مثل هذا الظرف، فقد طلب إليه القائم على أمر السجن أن يدفع أجرة أقامته حسب المتبع، ولكن ملتن رأى انه غالى فيما طلب، وأحس في ذلك جوراً ظن انه مقصود به فرفض أن يدفع - وفي يده المال المطلوب - فما يطيق أن يتحكم فيه رجل مهما لقي من عنت الأيام، وتقدم أصحابه فأدوا عنه المال المطلوب على غير علمه، وجاء بعضهم فأخرجه من السجن، وكان ذلك في نهاية سنة ١٦٦٠، وله من العمر اثنتان وخمسون سنة.

ولولا ما كان يحيط بالشاعر العظيم من أسباب الشقاء والأسى لجاز أن يتطرق شيء من الفرح إلى فؤاده، وقد نجا من الموت واسترد حريته، ولكن أين هو من الفرح، وإنه ليذوق

<<  <  ج:
ص:  >  >>