امتدت الثورة الفكرية في حضرموت امتدادا لم يسبق له مثيل فيما قرأناه من تاريخ حضرموت وسير اعلامها؛ إذ انبعثت منها روح فياضة ترمي إلى محو الأمية، وتنوير الأفكار والقيام بنشر العلم قياماً يرتكز على أن تتخطى الدعوة إليه المدن والقرى التي تزدان معاهدها ومساجدها بالدروس العلمية الخاصة والعامة إلى نشره بين جميع الطبقات حتى التي تسكن الجبال من البادية بإرسال المرشدين إليهم تلو المرشدين.
ومرد هذا فيما نعتقد انه من قبيل رد فعل. فقد أنفت حضرموت من الظلم الذي طال عهدها به والعبودية والتسخير التي فرضها كل من له أي قدرة إلى حد العامة الذين تناط بهم الدارة الحياة الاجتماعية فقد كونوا لهم رابطة تساعدهم على الإضراب عن العمل وأداء الواجبات أن لم تمنح لهم الإتاوة المفروضة بحسب رائيهم.
ومما شجع هؤلاء الفوضويين على العبث بالأمن ضعف الحكومية الحضرمية - استغفر الله - بل فقدها بالكلية وتلاشي أمرها ولم تبق لها سمة معروفة ولم يذكر التاريخ إلا تعدد الحكام ما بين كل ريعة وأخرى بل في البلد الواحدة.
لا نستثني من هذه الفوضى إلا ما كانت تنعم به بعض القرى التي يناط الحكم فيها لبعض السادة العلويين - المناصب أو القرى التي يحكمها بعض أبناء بيوتاتها ممن كانت لأجدادهم مكانة علمية وصلاح وفضل ويسمون أيضاً (بالمناصب).
من اجل هذا فكر أكابر علماء القطر الحضرمي وقادة الرأي فيه في الوسيلة التي يمكن القضاء بها على هذه الفوضى.
وأي وسيلة بيدهم اعظم من نشر الدعوة الإسلامية بصورة أوسع نطاقا مما كانت قبلها.
وأني تلاقي دعوتهم أذاناً صاغية أن لم تتجاوز المحيط الذي طالما تاق إلى وجود قيام الوالي العدل من كثرة ما أصيب به من الظلم؟
فلا بد إذاً من توسيع نطاق الدعوة بصورة أكبر مما عرفتها حضرموت في الماضي ليضمنوا بها بعض الفائدة أن لم تحققها كلها.
وما دام مصدر الفوضى آتيا من قبل البادية التي تروع القطر بما تصبه على البلاد من ويلات تلو الويلات. فلا بد إذاً من غزوها في عقر دارها بالدعوة الإسلامية وتعريفها بعض الواجبات وإرشادها إلى ما فيه الخير والصلاح.