فلما تعلمن كن مهمازاً لهم إلى الخير، وطالما عيرنهم على ظلمهم وقبحنهم على ما يرتكبون منه فلم يعلم إلا الله كم كففن من يد ظالمة وأنهضن من همة نائمة).
ثم التفت نحو البوادي، وخصهم بمزيد عنايته وقال: (لا ينبغي لنا أن نلومهم على ما يفعلون إذا لم نعلمهم فإن تعديهم الحدود نتيجة جهلهم. فعلينا أن نزيل السبب الذي هو الجهل فيزول المسبب وهو الظلم).
وألقى نظرة نحو البوادي المتنقلة وهم الذين لا قرى لهم أو لهم قرى بعيدة لا تبلغها أقدام الدعاة فجعل لهم ليالي تعليم ودعوة إذا جاءوا إلى بلدة (شبام) بقوافلهم وجلبهم فكان الدعاة يأتونهم ليلا فيسمرون عندهم وهم في محطاتهم خارج البلد على الرمل. فكان الأعرابي يأتي وأنفه في خزامة الشيطان وينقلب مبصراً بنور الإيمان.
وفي مسئولية أهل العلم يقول:
معاشر أهلِ العلم قوموا جميعكم ... قيام امرئ في دعوة الخلق تؤجروا
ونوبوا عن المختار في نشر ما أتى ... إليكم به عن ربه لا تقصروا
ولا تخذلوا شرع الرسول فإنه ... عزيز عليه ما عنتم بل انصروا
فمن نصر الشرع الشريف فنصره ... تكفل مولاه به فتدبروا
وما دام مناط الدعوة ونجاحها يرتكز على سمو أخلاق الدعاة والمرشدين وابتعادهم عما يتنافى ومكانتهم الأدبية ودعوتهم لذلك وجه إليهم إرشاداته فقال:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً ... إذ عبت فيهم أموراً أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً ... والموبقات لعمري أنت حاويها
ودعوة مثل هذه تستدعي نفقة عظيمة ومن اجدر بالتسابق والإنفاق عليها من ذوي السعة والمال، ولذلك عرض بالحث على الإنفاق والمباراة فيه فقال:
لا ينفع المرء إلا ما يقدمه ... لنفسه عند مولى الخلق باريها
ما للحريص على الدنيا سوى كفن ... ولو أتاه من الأموال غاليها
لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس إنفاقها في الخير يفنيها
ولا تضن بها في حال جفوتها ... فليس إمساكها بخلا بمبقيها
(يتبع)