للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

غيابهم.

مرسيل: يا هينيال أنت لا تجود بأنفاسك كما أجود.

هينيال: ماذا تعني!

مرسيل: أعني أنك تخشى أشياء كثيرة ولكنني لم أعد أخشى شيئاً. إن قسوة جنودك لا تضيرني وجنودي لا يكونون عليَّ قساة. إن هينيال تبعده مهام عمله فتبتعد في أثر جواده سلطته، وعلى هذه الحشائش بقايا قائد مجروح ولكن لا يزال هو روح الجيش وقوته. أتستطيع أن تتنازل عن سلطان منحته لك بلادك؟ أو تستطيع أن تقول إنك بأخطائك قد جعلته دون سلطان خصمك؟ لقد تكلمت كثيراً. دعوني أستريح. إن هذه العباءة تضايقني.

هنيبال: لقد وضعتها على رأسك لتقيك الشمس لما خلعوا عنك خوذتك. دعني الآن أضعها تحت رأسك وأن أعيد هذا الخاتم إلى إصبعك.

مرسيل: بل خذه لك. لقد أعطتنيه امرأة لاجئة في سيراقوسة غطته بخصلة من شعرها وقالت لي خذه هبة مني فهو كل ما أملك. ولم يخطر ببالي يوم ذاك أن سيأتي علي يوم يكون فيه حالها حالي ومقالها مقالي. ما أعجب القدر! في لحظة تتحول مصائر البشر! خذه يا هينيال، وليكن وهذه العباءة التي وسدتنيها هدايا ضيفين يفترقان. قد يأتي يوم تجلس فيه تحت سقف بيتي ظافراً أو غير ظافر فتجد هذه الهدايا ذات نفع ففي شدتك قد يذكر أبنائي أن فوق هذه العباءة جاد أبوهم بأنفاسه فيكافئونك على جميلك؛ وفي رخائك قد يسرك أن تحميهم غوائل الدهر، وهي أقرب ما تكون إلى الإنسان حين يظن أنه بنجوى منها، ولكن هناك شيء واحد.

هينيال: ماذا؟

مرسيل: هذا الجسم.

هينيال: أين تريد أن تحمل؟ الرجال معدون.

مرسيل: لست أعني هذا. قوتي تزايلي، ويخيل لي أني أسمع ما بداخلي ولا اسمع ما حولي. نظري وحواسي تضطرب. أريد أن أقول إن هذا الجثمان بعد أن تفارقه روحي لا يستحق اهتمام أحد، ولكن نبلك يأبى عليك أن تضن به على أهلي حناناً وعطفاً.

هينيال: هل عندك شيء آخر تسأله، فإني أحس رغبة مكبوتة فيك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>