المسيح حداد، وهم من أدباء المهرج المشهورين كي يتمتعوا بمناظر الطبيعة والخلاء في مزرعة (كاهونزي) بأمريكا، ولما دنا المساء وغابت الشمس، اخذوا يسيرون الهويني على الطريق العامة، وهم في حديث متواصل، وبينما هم كذلك إذ خطر لميخائيل نعيمة هذا البيت:
أسمعيني سكينة الليل لحناً ... من نشيد السكينة الأبدية
فألقاه على مسامع رفاقه الثلاثة، فوقع من نفسهم موقعاً حسناً، وجعل كل واحد يتبعه ببيت أو بنصف بيت، والأخر يزيد على ما قال سابقه، حتى نتج عن ذلك الأبيات التالية:
أسمعيني سكينة الليل لحناً ... من نشيد السكينة الأبدية
وافتحي يا نجوم عينيْ علَّى ... أن أرى بينك الطريق الخفيه
واجعلي يا رياح منك بساطاً ... واحمليني إلى الرياض العليه
واخطفي يا نسائم الليل روحي ... وخذيها مني إليك هديه
ودعيني هناك أسرح حراً ... إنما العبد يشتهي الحريه
طال سجني وطال في الأسر يأسي ... واحتمالي لحالتي البشريه
أنا مالي وللورى، فارفعيني ... ودعيهم في بؤسهم والرزيه
ملّ قلبي بغضاءهم وهواهم ... ملّ قلبي سبابهم والتحيه
ولساني قد صار يخشى لساني ... وجناني أضحى علىّ بليه
وفراشي شوكا، ونومي ارتعاشاً ... ويقيني شكا، وبرى خطيه
وشرابي تعللا وأواما ... وطعامي مجاعة روحيه
ولباسي رماد فكري تذريه ... رياح تثيرها الأمنيه
تلك حالي. حرب عوان، فإن ... أظفر فنفسي قتيلة أو سبية!
والقصيدة على صغرها زاخرة بالمعاني حافلة بالآراء الفلسفية والفكرية. وإنا لنتسأل: أتصور هذه القصيدة نفسية واحدة، وتنبئ عن ذهن فرد من أفراد منشئيها، فنقول إن أفكار ذلك الفرد كانت ساعة الإنشاء للقصيدة وقوية وذهنه متوقداً، فاستطاع أن يفرض شخصية وطريقة تفكيره على زملائه، فقلدوه وتابعوه في هذه الساعة، أم أن الرفاق الأربعة وهم من مشهوري الأدباء قد اتفقت أراءهم وأحاسيسهم، فهم كالشخص الواحد , كما يحدث كثيراً في