جلت في الأسواق، وأسواق دمشق ليلة العيد كأنها المحشر، قد أوقدت فيها المصابيح، وفتحت المخازن، وأنتشر الباعة، وتدفق عليها أهل البلد والفلاحون، بالأزياء المختلفة واللغات المتباينات، وكل بائع ينادي برفيع صوته، وكل مشتر يصيح، وكل مجتاز يتكلم، والبضائع معروضات من كل مأكول وملبوس ومفروش ومنظور ومشموم، وكل يريد أن يعد الليلة عدته للعيد فيشتري فيها طعامه ولباسه. . .
وكنت أسير في هذا الزحام شارد الذهن، نازح الفكر، أعمل عقلي في هذه القصة. . . التي وعدت بها المحطة، فأعلنت عنها وبشرت بها، ثم لم أستطع أن اكتبها، حتى وصلت إلى (باب المصلى)؛ فإذا أنا بحشد عظيم من الناس قد احتشد حيال دكان، فدفعني الفضول إلى معرفة الخبر، فأقبلت ادفع الناس بكتفي، وأشق طريقي بيدي كلتيهما وأطأ أعقاب الناس وأقدامهم، وأصغي إلى هذا الفيض العجيب من. . النثر الفني. . الذي جادت به قرائحهم، فتدفق علي من ألسنتهم، حتى بلغت المشهد، ونظرت. . . .
نظرت، فرأيت اثنين يختصمان ويعتركان، أما أحدهما فكان مسكيناً قميئاً اعزل عاجزاً، وأما الأخر فكان ضخما طوالا كالح الوجه، مفتوح العضل، وسخ الثوب، قد حمل سكيناً في يده طويلة النصل، حديدة الشفرة، وهجم بها على صاحبه والناس ينظرون ولا ينكرون، وصاحبه المسكين يصرخ ويتلفت تلفت المذعور، يطلب الغوث فلا يغيثه أتحد، ويبتغي المهرب فيسد عليه الناس طريق الهرب. . .
وأني لأفكر ماذا اصنع. . . وإذا بالخبيث العاتي يذبحه والله أمامنا ذبحاً، ويتركه يتخبط بدمة، ويوليه ظهره ويمضي إلى دكانه متمهلا، فيعالج فيها شأنه على عادته، كأنه لم يركب جرما، ولم يأت الأمر النكر جهاراً!
وكدت اهجم عليه، وأسلمه إلى الشُّرَط. ثم ذكرت أن الشجاعة في مثل هذا الموطن تهور وحماقة، وأن المجرم بيده السكين لا يمنعه شيء أن يجأ بها من يريده بشر، وطمعت يتحرك أحد الواقفين فيقدم عليه فأتبعه واشد أزره، فلا والله ما تحرك أحد منهم، ولا جَرُؤ على ذلك؛ بل لقد تكلم واحد منهم، فلما رفع القاتل رأسه ونظر إليه رأيته يجزع منه ويفزع، ويقول له بصوت مضطرب متلجلج:(الله يسلم يديك)!
وحرت ماذا اعمل: أأبلغ الشرطة، أو أدعهم وأمضي إلى داري لا عليّ ولا لي؟ ثم رأيت