أن خير ما أفعل أن أكتب وصف ما رأيت، وأبعث به ليذاع ويعرفه الناس.
وهأنذا أتهم هذا الرجل بالقتل، وادعوا الحكومة إلى القبض عليه حتى يعاقب ويكون عبرة لمن يعتبر. ولا يحسبن أحد أنه فر، أو أن القصة متخيلة أو مكذوبة، أو أنها من أساطير الأولين، أو من أخبار العصور الخوالي، فالقاتل موجود في دكانه، يغدو ويروح إلى بيته، والقصة صحيحة رأيتها بعيني رأسي وأنا سالم العقل غير مجنون ولا معتوه، متيقظ غير نائم ولا حالم، صاحٍ غير مخدر ولا سكران، ثم أني رأيتها الليلة البارحة!
هذه هي الحادثة الفظيعة التي كتب الله أن تكون هي موضوع قصتي التي فكرت فيها وأطلت التفكير فكيف رآها الناس فلم يحفلوا بها ولم يأبهوا لها؟ أفسدت الأخلاق، وضاعت المروءات حتى لا ننكر الأمر النكر، أم خارت العزائم، وانخلعت القلوب حتى لا نجرؤ على المجرم الظالم؟ وهل نامت الحكومة في الشام نومة أهل الكهف حتى ما تدري بالدم يسيل في شارع من أكبر شوارع دمشق؟
لقد سكت الجميع، حتى أن أنسباء القتيل قد ناموا عن دمه، وقعدوا عن الثأر له، ولم يتقدم أحد منهم شاكياً ولا مدعياً لأن القاتل كما قالوا، عازم على ذبحهم كلهم أن قدر عليهم، وماضيه حافل بأمثال هذه الجرائم.
فما سر هذا السكوت؟
لقد علمت السر بعدُ يا سادة. . .
ذلك أن المسكين الشهيد كان خروفاً من خرفان الضحية، وأن القاتل كان جزار الحارة، وأن الناس شاركوه في جرمه، فأكلوا لحم الذبيح مشوياً ومقلياً ومطهياً، وأكلت معهم ونسيت من طيب اللحم هذا المشهد. . .
هذه هي سنة الحياة، يموت المسكين لنستمتع نحن بأكلة طيبة. فكلوا منه أنتم أيضاً هنيئاً، واشربوا عليه مريئاً، واشتغلوا بالأكل عن مطالبتي بالقصة، وكل عام وأنتم بخير!