أن الحياة المادية العلمية الظاهرة هي الحكم لصالح حياة الجماعة، وهي الأفق الأول الذي أراد الله العظيم أن تتجلى فيه أسرارنا ونتائج خلقتنا، ونتائج جهادنا فيها نتائج دائمة ثابتة، يراها أطفالنا وجهالنا كما يراها علماؤنا وفلاسفتنا.
وأنا مؤمن بالإنسانية ذات المنطق الواقعي المستمد من الطبيعة، ناشد كمالها عن طريق تكميل سيطرتها على الطبيعة وإدراكها للنفس إدراكاً علمياً وتحكمها في العمل تحكماً صالحاً.
ومن الذي سار وراء الشذوذ من الصوفية والمتشائمين وأخذ أخذهم في الحياة؟ أنهم أقل عدد، ومن صالح الأرض أن يكون ذلك كذلك، إذ لو طاوعهم الناس لعطلت الأعمال في الأرض، ولم تتحقق الأعمال البارعة التي للإنسان في المادة وأسرار الحياة
غير أن الإنسانية أن كانت طبيعية بسيرها هكذا فقد أساءت بإهمال جانب الروح فيها باعتباره دعامة أساسية في الحياة ذلك الإهمال الشنيع.
وربما يكون ذلك الأمر محتملا في العصور السالفة، عصور القصور والطفولة، ولكن الآن يجب أن تدرك أنها بلغت دوراً لا يصح أن تسكت فيه على إهمال الجانب الروحي في حياتها، باعتبار أنه (ركن حيوي) ودعامة نظامية لحياتها المادية ذاتها، والحمد لله قد تحول كثير من أحلام الروحيين القدماء إلى أخلاق عملية عامة.
والتصوف بمعناه العملي شيء سام عظيم في رياضة الخلق وتطبيع الأعصاب على السمو والخير وإيقاظ الضمير، ولكنه بمعناه الشعري الذي نراه في شعر بعض القوم ليس أخلاقاً، وإنما هو أحلام وتأملات مستغرقة حادة للخلاص من الجسد لرؤية الحقيقة العظمى والخروج من نطاق الأرض لرؤية ما وراءها، وهؤلاء لا يهتمون بالإعمال والأخلاق كالحلاج وغيره؛ فواجب أن ننظر إليهم لا كرجال دين يسنون طرقا ليسير الناس عليها، وإنما كشعراء استهوتهم المعاني الدينية فأسرفوا فيها، واستغرقوا وأنطلق وجدانهم فيها كما استغرق أبو نواس في الخمر وبشار في الملذات الحسية. . .
وقد ينظر إلى معانيهم على أنها انطلاقات في (فن الدين) أو موسيقى في جوه ليست ذات محصول. . . وقد ينظر إليهم رجل الدين العالم العملي على أنهم صناع أحلام استهوتهم إلى غير الطريق الجمعي. وكل فتح عظيم لهم وتستطيع الإنسانية أن تنتفع به ينتهي إلى