القصر بأسلوب يدخل في البيان لا في المعاني)، ويؤكد هذا الرأي في موضع آخر:(القصر عندي معنى نحوي لا بلاغي، أي أنه من الصيغ العربية لازم لصحة المعنى لا لحسنه؛ فهو يساق لتقوية المعنى لا لجماله، وأنه لا احتراز فيه ولا نفي فيكون معناه أنه تعبير قوي، يتلخص من هذا أن للقصر استعمالات ثلاثاً:
١ - القصر طريق من طرق التعبير العربي فهو صيغة نحوية لأصل المعنى.
٢ - القصر صنيع بلاغي قوي لتقويه المعنى.
٣ - القصر أسلوب من الأساليب البيانية).
هذا كلامه. ولأناره هذه المسألة نقول: أن بعض العلماء يرى أن مباحث النحو يجب أن تفصل عن مباحث البلاغة، والحد الفاصل بينهما أن البلاغي لا بد أن يكون له ملحظ وراء المعنى الأصلي، فإذا لم يكن له غرض من الكلام غير أداء المعنى الأصلي فلا يدخل أداؤه في مباحث البلاغة. مثال ذلك ذكر المسند إليه فأنه إذا قامت قرينة تجوز حذفه كان المتكلم بالخيار بين أن يذكره أو يحذفه، والحال هو الذي يرجح عنده أحدهما فالشاعر الذي يقول:
بالله يا ظبيات القلاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر
كانت له مندوحة أن يحذف المسند إليه (ليلى) ولكنه آثر ذكره بعد دلالة القرنية عليه لو حذف لغرض في نفسه، فإذا لم تكن قرنية تدل عليه أن حذف كان الذكر واجباً، وحينئذ لا يعلل هذا الذكر بغرض بلاغي وهكذا.
على هذا الضوء ننظر فيما ذهب إليه الأستاذ الخولي فنرى أنه غفل عن أمور أربعة حين رأى أن بعض القصر يجب أن يبعد عن دائرة البلاغة، ويبقى في مباحث علم النحو:
١ - فاصل الجملة الواحدة في العربية أن تؤدي حكماً واحداً مقصوداً لا تتعداه سواء أكانت حقيقة أو مجازاً، وغالباً ما يتبع هذا الحكم غرض يسمونه وأمثاله مستتبعات التراكيب، وهذه الأغراض هي التي يلاحظها المتكلم ويقصدها من كلامه. فإذا أدت الجملة حكمين مختلفين خرجت عن أصل الجمل العربية، وكان هذا الاختصار من المقاصد التي يلجأ إليها المتكلم، وهو مقصد وراء الأداء الأصلي. يقول الشاعر:
وليس أخي من ودَّني رأي عينه ... ولكن أخي من ودني وهو غائب
فنجد هذا المعنى أدى على طبيعة الجملة، فأن أردت أن تسوقه في أسلوب مختصر قلت: