بعضاً مما حدث أثناء (الشدة المستنصرية) في عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، فقد وصل الأمر إلى حد أن أكلت النساء أولادهن الموتى، وأكل الناس الحيوانات الميتة من كلاب وقطط وحمير وغيرها لدرجة أن تسبب عن التهافت عليها ارتفاع أثمانها وصعوبة الحصول عليها، وزادت المحنة اشتداداً حتى كاد الناس من هول الجوع يأكل بعضهم بعضاً. روي أن وزير المستنصر نزل عن بغلته أمام باب القصر وتركها تحت حراسة غلامه فهجم ثلاثة رجال على الغلام وأخذوا البغلة قسراً وذبحوها وأكلوا بعضها وباعوا الباقي فقبض عليهم وصلبوا عقاباً لهم في أحد الميادين. فلما أصبح الناس لم يروا إلا بقايا عظامهم إذ كان الشعب الجائع قد أكل لحومهم أثناء الليل!!
هذا مثل واحد من أمثلة المجاعات التي كانت تحدث بسبب انخفاض النيل، ولذلك أجمعت الروايات المختلفة على أنه (كان يحصل لأهل مصر إذا وفى النيل - بغير تحديد - فرح عظيم بحيث أن السلطان يركب في خواص دولته وأكابر الأمراء في الحراريق إلى المقياس ويمد سماطاً يأكل منه الخواص والعوام ويخلع على القيّاس ويصله بأجزل الصلات) ونحو ذلك. .
فلماذا لا نساير منطق الحوادث، ومنطق الحقائق، ومنطق التاريخ معاً، ونتفاءل أعظم التفاؤل من الفيضان الذي دهمنا هذا العام - بشرط عدم التهاون أو التراخي في تدبير وتوفير وسائل المكافحة الدائمة مستقبلا - فلعل خطورته أن تسفر كالعهد بها عن مصادفة سعيدة، ولعلها أن تكون تحقيق (الجلاء ووحدة وادي النيل).