يكنفها العقل والشعور. (جماداً أخرس؟) يا لبشاعة الوصف والتشبيه! (جماداً أخرس؟) كيف؟ وقد برأها البارئ أنسأناً ضاحكاً ناطقاً فيه حركة ولب وإحساس. هذا لا يستغرب لأنك لا تؤمن بالإنسان.
إن لي صديقات، وأعرف جمّاً غفيراً من السيدات والفتيات كلهن متعلمات وحاملات للشهادات، ولسن كما تقول، فإذا جمعك بهن مجلس وسمعت حوارهن ونقاشهن لا يسعك إلا أن تغير رأيك في بنات هذا الجيل، وإذا كنت تصف المثقفة بالجماد الأخرس فبماذا تصف الجاهلة؟
قل مل شئت من ناحية الدين في فتاة العصر، فأني أشايعك على كل ما تقول، ولو أن هنا في مصر نهضة نسائية دينية مباركة، يملك زمامها جمعية الأخوات المسلمات، بارك الله فيهن، وحقق على أيديهن ما يرضاه الدين للمرأة المسلمة. أما من ناحية العلم والمنطق فالبون شاسع والشقة بعيدة بين الجاهلة والمتعلمة.
لست بهذا أدافع عن نفسي، وإنما الدفاع واجب عليّ لمن عرفت فيهن سداد الرأي واستقلال الفكر وبعد النظر ووزن الأمور بميزانها.
وقلت أيضاً:(ثم أن تزوجن لم يمتزن إلا بإهمال الولد الخ). وأقول أنا إزاء هذا: أني أعرف سيدات فضليات متعلمات، لا جاهلات عاميات، ينشئن أطفالهن أحسن تنشئة، ويحرصن على تربيتهم بأنفسهن، ليكون منهم في المستقبل رجال نابهون، وأجناد مجاهدون، وقادة محنكون.
إن تلك التي تهمل طفلها وتتركه بأيدي الخدم خرقاء ولا تعد في سواد النساء.
(إنه لا يعجب إحداهن إلا أن تلقى في زوجها حماراً) هكذا قلت. ولكن أكل هؤلاء الرجال الذين تزوجوا متعلمات تعدهم في شرعتك حميراً؟ (معاذ الله) من فيهم يرضى بهذا؟ أن السيدة المتعلمة الراقية المستنيرة لا ترضى على الإطلاق أن تلقى في زوجها (حماراً) تركبه - كما تقول - إلى غايتها. أنها ترفض في شمم وإباء أن تفقد احترامها للرجل الذي تشاطرها الحياة، ولا بد لها من الإحساس بأنه السيد المطاع القوام الذي تخافه رغبة لا رهبة. وقياساً على هذا أنقول أن أزواج المتعلمات كلهم أشقياء؟ أن كان الإيجاب، فيالعثار جدهم، وسواد عيشهم!