وأما عن موضوع المقطوعة فهي كما يفهم من حجمها يقصد بها التعبير عن معنى من المعاني تجيش به النفس في مناسبة من المناسبات، أو هي تسجيل لخاطر يخطر للقلب في غير استطراد يخرج به عن أن يكون خاطراً هو ابن لحظته أو ابن مناسبته؛ ويقول في ذلك وليم شارب إن المقطوعة (هي خير وسيلة للتعبير عن خاطر شعري منعزل عن غيره تعبيراً موجزاً محدوداً)؛ وتقتضي طبيعتها أو يقتضي النجاح فيها أن يكون التعبير قوياً رائعاً يجمع إلى عمق الفكرة وجمالها بلاغة اللفظ وإشراقه، كل أولئك في أيجاز لا يخل بالمعنى المراد. وما اجمل ما وصف به روزتي المقطوعة وهو من الشعراء الذين أحبوها وبرعوا فيها في القرن التاسع عشر، قال (إن المقطوعة هي تمثال لحظة) وهذا التعبير القوى الجميل هو من قبيل ما يجب أن تبنى منه المقطوعات القوية أو التي تتسم بالنجاح؛ ومن هذا ندرك أنها عمل فني يتطلب قدراً كبيراً من البراعة الفنية والطاقة الشعرية، وحسب الشاعر أنه يقيم تمثالاً في لحظة ولن يكون التمثال جديراً باسمه وبالغرض منه إلا إذا حملك على الإعجاب به والشعور تلقاءه بما تشعر به تلقاه كل عمل فني من روعة الفن وجلاله.
والمقطوعة ضرب من الشعر الغنائي، ولكنها تختلف عن القصيدة الغنائية الصغيرة بما ينبغي أن يلقيه الشاعر على غنائه من الوقار والاحتشام فلا يتبذل ولا يسف ولا يتلاعب بالألفاظ والأسجاع وألوان التورية وأشباهها مما يستساغ في القصيدة العادية ولا يجوز هنا، حيث ينبغي التأمل والتسامي كي يأتي التمثال معبراً عما يراد به التعبير عنه، وما تقام التماثيل إلا للجليل من الأشخاص والأفكار.
وقد شبه أحد النقدة لحن المقطوعة بالموجة إذ يتدفق ويتجمع ماؤها فتعج به وترتفع ثم تهبط فتنساح ويرتد الماء ليعود ثانية إلى البحر، والمقصود من هذا التشبيه أن المقطوعة وحدة غنائية ملتزمة الصورة واللحن فلا حرية فيها للشاعر أن يجري ألحانه كيفما يشاء وأن يتظرف ويتخلع وينطلق حسبما يتجه خياله ومزاجه وهواه.
وظهرت المقطوعة أول ما ظهرت في الإنجليزية في ثنايا كتاب نشره أحد رجال الأدب واسمه تُتِل سنة ١٥٥٧ تحت عنوان (خليط من الأغاني والمقطوعات) ولما كانت