ولا بد لنا من كلمة في أصل هذه المقطوعات ونشأتها لا في شعر ملتن وحده ولا في الشعر الإنكليزي وحده ولكن في الشعر الأوربي بوجه عام ثم نعطف الكلام بعد على مبلغ ما توافى لملتن فيها من براعة وتبريز.
لم يقطع نقدة الأدب الأوربي برأي في نشأت المقطوعات وتسميتها بهذا الاسم الذي سموها به، ويرى بعضهم أن الإيطاليين هم مبتدعوها، وأن اسمها يرجع إلى لفظ إيطالي معناه اللحن الصغير أو الصوت الصغير وهو لحن كان يغنى على عود أو قيثارة. ويرى فريق آخر أن منبتها كان في فرنسا في مقاطعة بروفانس وأن اسمها نجم من تلك الكلمة الفرنسية التي تطلق على الجرس الصغير أو جرس الغنمات. ويذهب البعض إلى أن اصلها إغريقي وأن الإغريق اختاروا لها لحنها ووضعها الفني بعد أن مرت على عدة أطوار من الخلق والابتكار. ولأحد النقدة وهو وليم شارب رأى غير هذه جميعاً فهو يردها إلى أغاني الرعاة في صقلية وجنوبي إيطاليا ويرى أنها انتهت إلى وضعها المعروف بعد أطوار مختلفة، ويرد اسمها إلى الاسم الذي يطلق في هاتيك الجهات على أغنيات الفلاحين والرعاة على وجه العموم.
وكان أول ما ظهرت تلك المقطوعات في صورتها ولحنها الخاصين بها في الأدب الإيطالي في القرن الثالث عشر في شعر شاعرين هما: بييردل فني وجيو تودارزو؛ وكذلك كان أول من طرق هذا الضرب من النظم من كبار الشعراء من الإيطاليين فقد تغنى دانتي في أواخر القرن الثالث عشر بحبيبة قلبه بياتريس فاتخذ لغنائه عدداً من هاتيك الألحان، وكذلك أفصح بترارك في أوائل القرن الرابع عشر عما ينبض به قلبه من حب لمعشوقته لورا بعدد من تلك الأصوات الصغيرة التي سميناها المقطوعات.
أما عن الصورة والوضع الذي انتهت إليه المقطوعة في الأدب الإيطالي فأنها لم تك تزيد على أربعة عشر سطراً. ثمانية منها تكون من حيث النغم والموضوع فاتحة المقطوعة أو صدرها، وتكون الستة الباقية خاتمتها أو (قفلتها). ولا بد من الفاتحة أن تجري قوافيها على وضع معين، فالقافية في السطر الأول مشاكله لها في الرابع وبينهما الثاني والثالث متحدة قافيتهما ولكنها مغايرة لما بدأت به المقطوعة، ثم يكرر هذا الوضع حتى تتم الأسطر الثمانية بعد ذلك وتغير القافية في الأسطر الستة التي تكون الخاتمة على أساس أن تكون