للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في أسلوب جميل يجعل سامعه يمنح الهدية في سرعة واغتباط، وهل تجد أرق من قوله في استهداء غلام يدعى ميخائيل:

فإن تهد ميخائيل تبعث بتحفةٍ ... تقضَّى لها العتبى ويغتفر الوزرُ

غرير تراءوه العيون كأنما ... أضاء لها في عُقب داجيةٍ فجرُ

ولو يجْتَلي في بضع عشرة ليلة ... من الشهر ما شك امرؤ أنه البدر

إذا انصرفتْ يوماً بعطفيه لفتةٌ ... أو اعترضتْ من لحظه نظر شزْر

رأيت هوى قلب بطيئاً نزوعه ... وحاجة نفس ليس عن مثلها صبر

تجاوز لنا فيه فأنك واجد ... به ثمناً يُغليه في مدحك الشعر

وألطف منه في الفؤاد محلَّة ... ثناء تبقِّيه القصائد أو شكر

وإذا كان البحتري قد هام بميخائيل لأنه وضئ الوجه حسن الصورة، فليت شعري بِمَ نعلل هيامه بنسيم؟ وقد كان رومياً دميم الصورة كريه الرائحة! ألانه وجد هذه الصفات تجعل صاحبه يفرط فيه بسهولة، فكان يستهديه ويبيعه، ثم يستهديه ويبيعه، فهو إذن شرك (مُحكم) يصيد به النقود، وملهم يقدح شاعريته، فيصفه بما ليس فيه، ويبالغ في التشوق إلى لقائه مبالغة تستهوي الأفئدة كان يقول:

دعا عبرتي تجري على الجور والقصد ... أظن نسيما قارف الهجر من بعدي

خلا ناظري من طيفه بعد شخصه ... فياعجباً للدهر فقداً على فقد

خليليَّ هل من نظرة توصلانها ... إلى وجناتٍ ينتسبْن إلى الورد

وقَدٍّ يكاد القلب ينقد دونه ... إذا اهتزَّ في قربٍ من العين أو بُعد

فلو تمكن الشكوى لخبَّرك البكا ... حقيقة ما عندي وأن جلَّ ما عندي

غُصبتك ممزوجاً بنفسي ولا أرى ... لهم زاجراً يُنهي ولا حاكما يعدي

أبا الفضل في تسعٍ وتسعين نعجة ... غنىً لك عن ظبي بساحتنا فرد

ومهما يكن من شيء فلقد مات نسيم في ميعه صباه، وارتاح الناس منه ومن عاشقه المشوق!

على أن البحتري كان يغير في سبيل المال مذهبه واعتقاده فهو لا يثبت على قول واحد، إذا مدح معتزلياً كان معه، أو سُليَّا جاراه في رأيه قال إبراهيم بن عبد الله الكبجي: قلت

<<  <  ج:
ص:  >  >>