فهل صرت معتزليا قدريا؟ فقال: كان هذا ديني في أيام الواثق ثم نزعت عنه في أيام المتوكل! فقلت له: هذا دين سوء يدور مع الدول).
وإذن فالوليد لا يهتم بغير المال مهما غير رأيه واستجدى أصحابه، وعنف أضيافه، وقتر على نفسه وأهله كما تقدم في صدر هذا المقال، وذلك كثير!!
بقي أن نتحدث عن علاقة الوليد بزملائه الشعراء، وهي في جملتها غير مرضية، فقد نشأ في عهد نبغ فيه المُعْلَمون من أبطال الشعر وقادته؛ فكانوا يتراكضون في ميدان فسيح، فمن حاز قصب السبق كانت له الشهرة المستفيضة، والصيت الذائع، وهذا تنافس شاق ترك في نفس الوليد أثره الواضح، فأبو تمام مثلا كان لا يستحق منه غير المدح الجزيل، فقد أخذ بيديه في بادئ امره، وقربه للعامة والخاصة، وواصل تعريفه بالناس ولولاه ما أكل الخبز - كما يعترف بذلك البحتري - ولكنه لم يرع له هذا الجميل، فهاجمه بعد موته، وقال لولده أبي الغوث (إنه ما مات حتى أصفى من الشعر، وقد سألت ابن الأعرابي عنه فقال: إن كان شعره شعراً فجميع ما قالته العرب باطل) بعد أن كان يقول في حياته إن نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه
ونود هنا أن نلفت الأنظار إلى قصة روتها كتب الأدب عن مبدأ تعرفه بأبي تمام، وخلاصتها أن البحتري قد مدح أبا سعيد محمد بن يوسف بقصيدة:
أأفاق صب من هوى فأفيقا؟ ... أم خان عهداً أم أطاع شفيقا
وكان أبو تمام حاضراً فنسبها إلى نفسه، وصدَّق جميع من في المجلس، فجعل البحتري يقسم بالله أنها له، إلى أن استحيا أبو تمام، فقال: الشعر لك يا بني ولكني ظننت أنك تهاونت موضعي فأقدمت على الإنشاد بحضرتي تريد بذلك مضاهاتي،. . . ونحن نقول أنها قصة مكذوبة نجل أبا تمام أن يصدر عنه ما ذكر بها، سواء رواها البحتري أم سواه، لأن حبيباً كان ذا مذهب مشهور في القول حتى أنك لتعرف قصيدته من أول بيت تسمعه؛ فلو أنه ادعى ذلك ما صدقه أحد في دعواه، لخلوها عن بيت واحد تشم منه رائحته، ولا سيما وجميع من في المجلس يعرفون جيداً من هو أبو تمام! وإلى أي حد ينزع.