حقيقي، بل العكس هو الصحيح، وهو انهم وحدهم دون سائر العالمين أهل العدل والنصفة والتواضع، وانهم هم الذين جاءوا إلى الدنيا ليردوا الحقوق إلى اهلها، وانهم هم القوام على هذه الرسالة السامية. ولذلك ترى كلام رجالاتهم كلاما نيرا مضيئا فاتنا ساحرا إذا عرضوا لمعنى الحرية وما أطاف بها، ويخيل إليك أن إيمانهم بهذه المثل العليا إيمان لا يعتروه نقص. وهذا حق، ولكنهم إذا جاءوا لتنفيذ ما يقولون رايتهم أهل بغي وعدوان فيما ترى ويرى الناس، ولكنهم هم يصرون على أن هذا هو الحق الذي لا محيص لك ولا للناس عن الأخذ به، تقول: وان كان بغيا وعدوانا، فأقول: وان كان بغيا وعدوانا!
والإنجليزي يرى أن هذه الأمانة التي حملها هي الأمانة، وأنه مؤديها على وجهها، فإن أنت خالفته وزعمت انه يجور عليك جورا عبقريا قال لك: انك شديد المماسكة مولع بالجدال، ويحاول أن يبسط لك الأمر بسطا حتى تقتنع بأنه غير ظالم، بل هو العادل الذي لا يعر فالعدل أحد سواه. ومن شاء أن يناقض هذا الذي أقوله فلينظر إلى حجة هذا الشعب في موقفهم أو احتلالهم للهند، وفي احتلالهم لمصر من اجل الهند. فالهند مستعبدة ظلما وجورا، وهم يريدون أن يحللوا بقاءهم في مصر، لان فيها قناة السويس، وهي التي تؤدي أو تسهل الطريق إلى بلاد الهند. فإذا خرجت القناة من أيديهم كان ذلك وبالا مستطيرا على مصالحهم في الهند! فينبغي عندهم أن ترضى مصر بالأمر الواقع، وهو بقاؤهم حراسا على القناة، لئلا تضيع مصالحهم في البلاد التي استعبدوها واستذلوها وأفقروا أهلها وأكلوا أموالها واعروا ذراريها، وهتكوا الستور عن أحرار نسائها، يا له من منطق! وهل في طاقة أحد أن لا يقتنع برأيهم في حفظ كيان هذه الإمبراطورية الضخمة! كلا بل ينبغي أن يطيع العالم وان يسمع. فلو أن الإنجليز فرطوا لهوى العلم البريطاني إلى الرغام في أرض الهند، ولبقيت الهند عارية لا تجد هذا الدفء الحلو اللذيذ، ولا هذا الظل الوارف الناعم الذي ينشره عليها علم بريطانيا!
فحدثني أيها الصديق ماذا تريد بعد ذلك أن أقول لك في هذه المعاهدة التي تريد إنجلترا أن توقعها مع مصر راغمة أو راضية! دع عنك الحيرة، ودع عنك تقلب الراي، واختر لي أنت رأيا أصير إليه. وإلا فإني أقول لك كما قلت دائما: إن المعاهدة بيننا وبين بريطانيا، هي أن ندخل معها في حجر اليربوع حتى إذا استقربنا المقام قليلا (نفقت) كما يمرق